الجمعة، 03 مايو 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

352 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

أحمد عبدالمنعم عيد - كاتب وباحث إسلامي:

أرسل الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وسلم ليعيد إلى البشرية اتزانها، وليضع الإنسان في مكانته التي تليق به كمخلوق كرمه الله تعالى، وأسجد لأبيه الملائكة، وفضله على غيره من المخلوقات بنعمة العقل والتفكير، وليعود إنسانا إيجابيا

يعمر الكون، ويواجه كل فساد من خلال إيجابيته التي يغرسها فيه منهج الإسلام الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي لخص في قوله تعالى:

{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران:١٦٤).

فمن مقاصد الدعوة الإسلامية تزكية المرء، ورفعه إلى الدرجة التي تليق به، فيصبح بها فعالا في مجتمعه، مثمرا في عمره، تاركا بعد ذلك سيرة من الأعمال الطيبة تكون له ذكرا وعمرا آخر بعد موته.

والتزكية المذكورة في الآية لا تكون إلا بالتغير المطلوب من المسلم، والتحول في السلوك من السلبية واللامبالاة إلى الإيجابية في كل المواقف، ومع كل ما يحيط به.

والوسيلة لتزكية المسلم ونقله تلك النقلة من الإيجابية التي تؤهله لحمل أمانة الدعوة والتبليغ، ومواجهة الصعاب والعدوات التي ستصطف إلى جوار بعضها لمنعه من القيام بذلك الواجب والفروض التي فرضها الله عليه، وألزمه بها.

يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:١٥١).

يزكيهم أي يطهرهم من رذائل الأخلاق وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويعلمهم الكتاب وهو القرآن الكريم، والحكمة وهي السنة، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون في الجاهلية الجهلاء، فانتقلوا ببركة رسالته، ويمن سفارته إلى حال الأولياء وسجايا العلماء، فصاروا أعمق الناس علما، وأبرهم قلوبا، وأقلهم تكلفا، وأصدقهم لهجة(1).

وقال صاحب البحر المحيط: يزكيهم باطنا من أرجاس الشرك وأنجاس الشك، وظاهرا بالتكاليف التي تمحص الآثام، وتوصل الإنعام(2).

وتكاد كل كتب التفسير تتفق على أن التزكية، والتي هي مقصد من مقاصد الإسلام لا تكون إلا بما فرض الله -تعالى- على عباده.

فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت:٤٥).

ومن أطال القيام، وأتعب عينه من طول السجود ثم لم تحدث الصلاة التغيير في نفسه، وتحوله إلى المثل المرجو منه كمسلم يكون كمن لم يُصلّ.

قيل لابن عباس: إن فلانا يطيل في صلاته، قال: إن الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها.

والزكاة نفس الأمر، من أخرجها لابد وأن يتحلى بالتواضع، وتخلق في نفسه حب التعاون والتكافل مع الناس، فلا رياء، ولا من، ولا أذى، لا بقول ولا بفعل.

والحج من أراده فعليه أن يتحلى بالصبر والحلم وضبط النفس، فلا يأتي ما اعتاده من النقائص، ولا يفعل ما تربت عليه نفسه من المعايب، {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (البقرة:١٩٧).

والصوم من أكثر الطاعات التي تربي الفرد وأعظم مظاهر تلك التربية خلق الإيجابية أو تعزيزها في نفس المسلم حتى تصبح سلوكا ملتصقا به لا يستطيع الحياة بدونه.

فالإنسان يكون دائم التذرع بأسباب تحمله على المخالفة وعدم الإتيان بما كلف به، ويرجع كل سقوط إلى النفس أو الشيطان أو الهوى أو أصدقاء السوء، وربما تعلل بها كلها، ويظل يعلن عجزه في مواجهة هذه الأمور، فهو أسير بين الإغواء والأهواء، فإذا ما جاء رمضان وأعلن عن رؤية الهلال ومع أول ساعة من النهار يمسك عن العادة الحاكمة والنفس الآمرة والأهواء الآسرة.

إنها الإيجابية التي تنشط فيه بمجرد الإعلان عن بدء الصيام، يظل طول العام يكابد نفسه للامتناع عن أمر، أو ليلتزم بأمر، فإذا جاء رمضان كان الصعب سهلا، فكف حبا، وأتى الخير رغبة، وكأن نداء يا باغي الخير أقبل هو همسة في أذنه تسربت إلى قلبه، فوجل بها، وتحرك إعمالا لها، همسة علوية علت به فوق كل نقيصة، وسمت بفعله، وأشعرته بقدرته، وأن كل شيء في الإمكان، فالحرام أو المكروه الذي استصعبته قبل رمضان هان عليك، وتغلبت على نوازع النفس الدافعة إليه، بل والأكثر من ذلك تركت بأمر الله ما أحل الله فترة الإمساك طاعة لله، كأن الله في رمضان يريد منك أن تكتشف ذاتك، وأن تشعر بقيمتك، وأن تعلم أن الله جعل فيك من القدرة والإرادة ما يجعلك قادرا على الإتيان بكل مأمور، والبعد عن كل محظور، فإن من قدر على ترك ما أحل الله طاعة لله، يكون على ترك ما حرم الله أقدر.

دواؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وما تبصر

وتحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

فالصوم فرصة لاكتشاف الذات، وخلق الإيجابية أو تقويتها وتعزيزها.

ومن مظاهر الإيجابية في رمضان: مراقبة العبد لنفسه، فالذي كان لا يعبأ بأحد في فعل ما، ولا يكترث لنظرة الناس، يصبح في لحظات مراقبا لنفسه وإن غاب عنه كل الناس، فمع الصيام وقرص الجوع وانعزاله عن الناس والطعام أمامه لا يستطيع أن يمد يده إلى الطعام، لقد انتقل من خوفه من رؤية الناس إلى كمال «إن الله يراني».

لقد أصبح حاكما لنفسه، يفعل الخير من ذاته، ويجتنب الشر كذلك من ذاته، لا خوفا من القانون، أو حياء من نظرة الناس، محققا بذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:١٨٣).

ولا يسمى العبد تقيا إلا إذا كان سره كعلنه، وظاهره كباطنه.

ونستطيع أن نطلق على هذا المظهر من مظاهر الإيجابية، «الإيجابية مع النفس».

فالنفس التي تدفع الإنسان إلى الغضب لأقل وهلة، وتجعل الإنسان يثور لما يستحق وما لا يستحق يطلب منه في رمضان ألا يغضب لما أهانه، وألا يرد على من افتعل الإهانة بمثل فعله أو القليل من فعله، معودا نفسه على معالي الأمور ومكارم الأخلاق كالعفو والصفح والصبر على الأذى والحلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه»(3).

إني صائم ما أعظمها من كلمة، يذكر العبد نفسه من خلالها أنه في لحظة تزكية ورفعة، فلا ينبغي له أن يهوي إلى مدارك الجهلاء، فيجهل فوق جهل الجاهلين، فيسب من سب، ويصخب مع من صخب، ولكن عليه أن يلتزم الأدب دافعا الإساءة بالإحسان.

الإيجابية مع الآخرين

وكما يوجد الصوم الإيجابية مع النفس، كذلك يوجد في نفس الصائم الإيجابية مع الآخرين، فهو بالصوم يعود فردا في مجتمع، يشكل لبنة من لبناته، وكل من حواليه أجزاء في هذا البناء، لا يمكن بأي حال أن يحيا منعزلا عن غيره، بل لابد أن يتفاعل مع مجتمعه، وأن يشعر بغيره، فيذكر بالصوم جوع من ضاقت به الحال، وإذا قرصه الجوع للحظات طواعية منه وطاعة لربه، تذكر من يكون العام عنده كأنه رمضان، يصومه قهرا لفاقته وعوزه، فيألف المعروف ويسعى إليه.

وبهذا يصبح الذي يسعى لنفسه وشعاره «نفسي نفسي» ساعيا في قضاء حوائج غيره قائلا أنا والناس.

الناس للناس من عرب ومن عجم  

بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

فهذا الصوم وما يحققه تزكية تسمو بالنفوس تخلق إيجابية مع النفس يألفها الإنسان في رمضان، وإيجابية مع الآخرين يعتادها ويعيش بها بعد رمضان.

جعلنا الله ممن يحسن الصيام والقيام ومن المقبولين والمغفور لهم فيه.

الهوامش

1- تفسير ابن كثير (1/462).

2- البحر المحيط(1/628).

3- أخرجه البخاري كتاب الصوم باب هل يقول إني صائم إذا شتم؟ 1771.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال