الإثنين، 29 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

250 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

صناعة الوعي

مرهف حسين أسد - كاتب وباحث إسلامي:

في ظل الأزمات الداخلية المتفاوتة التي تمر بها المجتمعات الإسلامية، تطلع كثير من الناس إلى تلقف الحلول من خلال استيراد رؤى أو مشاريع إصلاحية غربية، من دون مراعاة لفوارق ظروف المجتمعات وطبائع أهلها وأحوالهم..

فبدلا من أن يستفيدوا إيجابيا مما فرضته العولمة من مفاهيم، كانوا أداة من أدوات انتشارها وزيادة تأثيرها، غير مقدرين أن مجتمعاتنا فيها ما يكفي من ذوي العقول الواعية الناضجة القادرة على النظر في كل مشكلاتنا المزمنة التي تمكنت فيها واستفحلت، ووضع الحلول لها، وهم الأقدر على حلها، والأعلم بثقافة المجتمع وتكوينه الديني والعقدي من غيرهم.

فلابد من منح الثقة للمفكرين المخلصين من أبناء أمتنا للبحث عن مخارج لكل أزماتنا الراهنة, من خلال غرس فسائل الوعي في نفوس الناس صغيرهم وكبيرهم، واقتناص الفرص التي ترفع من سويته ونسبه، فبمقدار ما يتأصل الوعي في المجتمعات، يزداد رقيها في مدارج السمو والفلاح.

وما دامت الحلول الجزئية السريعة لمشكلاتنا الراهنة بكل تعقيداتها هي العملة الرائجة، سيتكرس الوهن والتأخر في صفوفنا، وستسري مشاعر اليأس والإحباط في أعماقنا من كل دعوات الإصلاح الراهنة، وسنبقى ندور في فلك التبعية والتخلف ما بقي الوعي غائبا أو مغيبا عن تفاصيل حياتنا.

ما هو الوعي؟

الوعي كلمة تدل على ضم الشيء. وفي قواميس اللغة العربية: وعيت العلم أعيه وعيا، ووعى الشيء، والحديث يعيه وعيا وأوعاه: حفظه وفهمه وقبله، فهو واع. وفلان أوعى من فلان، أي أحفظ وأفهم.

والوعي كلمة تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي المختلفة المتمثلة في الحواس، أو ملكات المحاكمة العقلية المتنوعة، لتتكون لدى الإنسان أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة والطبيعة تساهم في الارتقاء والتقدم.

وقد يكون الوعي وعيا زائفا، وذلك عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله، أو غير واقعي، وقد يكون جزئيا، وذلك عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة التي تؤثر وتتأثر بعضها ببعض ضمن عملية تطور الحياة.

ولعل من أجمل ما قرأت في تعريفات الوعي، للدكتور حمزة بن فايع الفتحي، قوله: «إن الوعي شيء آخر، غير مجرد القراءة والتعلم، وجمع الكتب ـ وإن كانت هذه بعض أدواته - إذ هو استعداد ذهني لتجاوز ما في المعلومات، والفهم الدقيق للظروف المحيطة بالإنسان عبر خيال فسيح، وأدوات سليمة، تتنافى مع الجهالة والتسطيح، والتزييف أو المزايدة».

مقومات مؤسسية

الوعي كما غيره من المفاهيم يحتاج إلى مقومات يقوم بها، إن على المستوى الشخصي أو في إطار المؤسسات والتجمعات، ولعل من أهم تلك المقومات: المؤسسات التربوية والتعليمية على تنوعها وفي كل مراحلها، فالأسر والمدارس والجامعات والمناهج الدراسية والمعلمون والخطباء وأئمة المساجد، يساهمون بشكل جوهري في رفع مستوى الوعي لدى الأفراد والمجتمعات، ويسهمون إسهاما كبيرا في إكساب الإنسان الأدوات اللازمة لمحاكمة الأمور ومسبباتها ونتائجها.

كما أن الإعلام يعتبر من أهم وأخطر الوسائل في تقدم الأمم أو تخلفها، وما لم يحمل الإعلام مبادئ وقيما حضارية رائدة يترفع فيها عن الابتذال والإثارة ومحاكاة الغير بعمى وقلة بصيرة، فإنه سيتحول إلى وسيلة هدم سريع مهما كان البناء عتيدا والبناة كثرا.

وحتى تقوم تلك المؤسسات بدورها الفاعل، لابد من التخطيط الهادف الواعي المتكامل لإيجاد آليات ترفع من أدائها بناء على أسس علمية رصينة، لصياغة شخصية الفرد، وبناء الوعي الحضاري لديه، الذي لا يمكن أن يحقق نتائجه ويؤتي ثماره إذا كان منعزلا عن السمو الروحي والإيمان القلبي، إذ هو الفاعل الحقيقي للتقدم الراقي، والمحرك الأساسي للأفراد نحو العمل والإنتاج والإنجاز والإتقان المبدع، وهو المنظم لعلاقات الأفراد والموضح لأدوارهم وواجباتهم بمنتهى العدل والإنصاف.

لذلك تنبغي مراعاة أمرين مهمين، حتى تكتسب تلك المؤسسات مفاتيح علم الوعي؛ أولهما: سعة الاطلاع وعمومه، نظرا لتشعب علم الوعي وشموله، فلا بد فيه من الإحاطة بكثير من العلوم الشرعية والاجتماعية وعلوم السياسية وغيرها. وثانيهما: التجدد بشكل دائم، لأن هذا العلم يحتاج إلى قدرة فائقة في البحث في كل جديد، ومتابعة كل حديث، ومواكبة كل طارئ، لذا يلزم المتخصص أن يكون لديه دأب لا يكل في متابعة الأحداث، ودراسة أحوال الأمم والشعوب. وفي حال حدوث خلل في أحد الأمرين أو كليهما، فإن ذلك سينعكس سلبيا على القدرة في فقه الواقع، وتقويم الأحداث، وفهم مجرياتها، والحكم عليها.

مقومات فردية

أما مقومات الوعي على المستوى الفردي، فالقراءة المتعمقة تشكل الركن الركين والأساس القويم في بلورة الوعي وعمقه، لما تفتحه من آفاق أمام القارئ تختصر أمامه تجارب الآخرين، فتمنحه عصارة إيجابيات تجاربهم، وتجلي له سلبياتها.

كما أن السفر، والضرب في أرجاء الأرض، يمنحان المرء فسحة لرصد تجارب الحياة، وسبر أغوارها، من خلال الاطلاع العملي على منتجات عقول الآخرين على كل المستويات.

ولعل التقنية الحديثة التي نعيش مراحل تطورها السريع، هي من أهم مقومات صناعة الوعي على كلا الإطارين الفردي والمؤسساتي، فالمعلومة باتت حاضرة وسريعة، والعالم أصبح كقرية صغيرة، تستعرض أبعاده وزواياه من خلال جهاز صغير بحجم كف اليد، يضع بين يدي مقتنيه كما من المعلومات كان الحصول عليه ضربا من ضروب المستحيل. وكل ذلك يوجب علينا تطوير أدواتنا التعليمية، وأساليبنا التفكيرية، وخططنا ومناهجنا، وما لم نع ذلك، فسنظل في تخبط وعشوائية، ونذوق مرارة التأخر والتخلف والتقهقر.

فوائد

لا ريب أن للوعي فوائد كثيرة وكبيرة، ونتائج مهمة، لا يدركها إلا من عاش في كنف المستبصرين، وحذا حذوهم، واقتفى أثرهم، وجد وثابر، ليرتقي بنفسه من حالة الانغلاق والجمود ومحدودية الأفق والرؤية، التي خلفتها تراكمات ثقافية ونفسية واجتماعية متجذرة، إلى أفق فسيح رحب يطلق للعقل العنان، ويزيل الغشاوة عن العقول والقلوب، ليحدث حالة من اليقظة التي تجنب صاحبها الحيرة والضياع، وتذيقه بعضا من حلاوة الوعي الذي اكتسبه، وتجلي للناس من حوله بعض ثماره وفوائده الكثيرة التي نستعرض بعضها، على النحو التالي:

1- سعة الأفق: هذه الفائدة وحدها تكفي كي يعتني الآباء والمربون والمفكرون، بترسيخ مفهوم الوعي ومحاولة غرسه، وتحسس طرق اكتسابه بين عموم فئات الناس صغيرهم قبل كبيرهم، لتتكون الأرضية الأساسية لبناء ثابت الدعائم والأركان.

2-معرفة كنه الأمور وسبر أغوارها، وعدم الانخداع بظواهرها، لذلك قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «نور العقل يضيء في ليل الهوى، فتلوح جادة الصواب، فيتلمح البصير في ذلك عواقب الأمور»، فما يصيب الأمة بمجموعها اليوم، ما هو إلا تراكم من المكائد والحيل التي تمرر على حين غفلة من بعض من أبنائها، وانخداع بعضهم الآخر. وغرس الوعي في النفوس، هو يقظة لهؤلاء وأولئك، وخطوة في سد الأبواب أمام كل مكيدة أو عبث.

3-حسن التعامل مع الأمور عموما، والأزمات خصوصا، فعدم التعاطي الناجح مع ظروف الحياة وتقلباتها، والخلط بين المواقف والأشخاص وعدم التمييز بين صالحهم وطالحهم، والتعامل مع الحياة بعفوية وتركها لتقلبات الأيام، تدير دفتها كيفما تشاء، من دون أي دور فاعل في إدارتها بإيجابيها وسلبياتها، ما هي إلا أعراض لبعد الناس عن العقلية الواعية التي تعرفهم سر خلقهم، وغاية وجودهم على وجه هذه البسيطة.

4-تمييز الأولويات، فكثيرا ما بتنا نلحظ خللا واضحا في مختلف جوانب الحياة وبين سائر الفئات، العلماء منهم أو الأشخاص العاديين وحتى بين الأزواج، يتمثل في الكثير من العشوائية في ترتيب الأولويات، فنتج عنها كثير من الخلافات والمخاصمات الناشئة بسبب التفاوت في ترتيب الأولويات، وعدم أخذها بالأهم ثم المهم، ثم الأقرب فالأقرب.

5-حسن وضع الخطط والأهداف الاستراتيجية، بعيدة المدى، التي تأخذ في اعتباراتها المتغيرات الداخلية والخارجية للبيئة التي يعيش فيها الإنسان، وتلحظ كذلك الإمكانات المادية والطاقات المعنوية، وتحسن توظيفها من دون هدر أو تضييع، للوصول بها إلى أقصى درجات الحيوية والفاعلية.

6-النهضة العلمية بكل مستوياتها، التي تبعث في الأمة روحا تنير فيها العقول، وتخلصها من حالة التسطيح الفكري التي تعيشها، لتقطع كل سبيل أمام كل متسلط يريد لتلك الحالة أن تبقى كي ينال أكبر قدر من الفوائد والمكاسب.

تغييب الوعي

مع تأخر الأمة في مجال هذه الصناعة المهمة؛ شهد واقعنا وللأسف صورا عديدة من صور تغييب الوعي على كل المستويات وفي شتى الوسائل، حتى كبرت البلية وتفاقمت، وعظمت المشكلة وتأزمت، فبتنا نرى كثيرا ممن يدعون الفهم ويحوزون مفاتحه، يسوغون المخالفات، ويفتون بالأباطيل، ويجيزون الخرافات، وقد لعب الدور الأعظم في كل ذلك الإعلام بمختلف مستوياته، فبتنا نرى الكاذب صادقا، والجاهل عالما، وكثير الكلام فصيحا عالما، والتسيب والإهمال إتقانا، والاستهلاك تقدما... وصارت الأخبار الضعيفة صحيحة، والخرافة حقيقة، والباطل حقا، والابتداع المضل تقدما وتجديدا.

ولا ريب أن عودة الوعي تحتاج إلى وقفة صادقة حازمة توقف ذلك العبث، وتزيل تلك الغشاوة عن أعين الناس وقلوبهم، لتعود مظاهر الوعي ساطعة في صفوف الناس، فيعود المدرس صاحب هدف ورسالة، والخطيب صاحب فكر نير وقاد، والعالم ذو علم واسع متعدد، والمجتمع بعمومه يسير وفق هدف ورسالة وغاية تصنع له مكانة سامية بين الأمم والمجتمعات، فيعلو ذكره، وترفرف راياته، ويحسب له القاصي والداني كل حساب.

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال