الجمعة، 26 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

78 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

covpsdpsdpsdr

عمرو طه - قاص مصري:

كان يوم جمعة من أيام شهر يناير الباردة حينما خرجت من مسكني في الخامسة صباحا، كان الجو باردا، وما زال الظلام يسري، النجوم تتلألأ في سمائها، تنظر إلي بحدة، كأنها كانت تنتظرني كي ترافقني أثناء العمل، برودة الريح تلفحني، أشعر بها تدفعني للبدء بالحركة والعمل.

بعد ما يقارب أربع ساعات من العمل المتواصل، تمكن مني التعب والإرهاق، وكي آخذ قسطا من الراحة فقد انطويت في ركن من أركان الشارع كي لا يتأذى أحد المارة من مظهري، فهو يوم راحة للناس، يخرجون فيه للتنزهه برفقة أطفالهم، رأيت من مكاني ما يمكن لمثلي أن يراه؛ رأيت كيف يمشي الأب والأم وفي الوسط يمشي طفلهما وكل منهما يمسك بيده، هذه اللمسة كانت كفيلة بأن تملأ هذا الطفل بالأمان والحب والثقة بأن هذا العالم مليء بالإنسانية. رأيت عائلة أخرى تدخل إلى الحديقة والسعادة تملأ أطفالهم، وأخرى تقف أمام المتجر لتشتري ألعابا لأطفالها. لكم تمنيت في هذه اللحظة لو أن أحدا يشتري لي لعبة.

استيقظت في داخلي طفولتي، فتوجهت إلى المتجر، نظرت إلى الألعاب فأعجبتني لعبة صغيرة، سألت صاحب المتجر عن ثمنها، فقال لي ثمنها ثلاثون جنيها، بحثت في جيبي فلم أجد إلا خمسة جنيهات. حينها تمنيت لو لم أجلس على الرصيف كي أستريح.

في مساء ذلك اليوم وأثناء تجوالي لجمع البلاستيك من أحد الشوارع وأماكن القمامة، عثرت على حافظة نقود وبها بعض المال.. أوراق.. هوية. حينها تذكرت اللعبة التي شاهدتها في المتجر صباح اليوم، لكنني عدت إلى رشدي، فما كان مني إلا أن ذهبت إلى مسكني كي استشير والدي فيما أفعله بها، فأخذ مني الحافظة كي يرى ما بداخلها.

شرد ذهن الأب وجال بنظره في سقف الغرفة القاتم وفكر في عجزه عن الحركة وفي زوجته المريضة التي تخدم في المنازل وقال: أعلم ما يجول بخاطرك بشأن هذا المال، إلا أننا لا نستطيع أخذه، وأعلم أيضا أننا فقراء ولا نملك قوت يومنا، إلا أن الله سبحانه وتعالى زرع في داخلنا فضيلتين إن وجدا لدى شخص جعلاه في راحة دائمة، الرضا والقناعة، الرضا بما كتبه الله لنا، والقناعة بما تفضل به علينا.

قرأ والدي الهوية، وجد أن العنوان قريب جدا من حينا الذي نقطن به، فنصحني بأن أذهب كي أسلمها لصاحبها. فذهبت بالحافظة ووجدت هناك صاحب الصورة التي توجد بالهوية. قام باستضافتي في المنزل بعدما شكرني على أمانتي، وحاول أن يعطني مكافأة مالية على حسن تصرفي، لكني اعتذرت عن قبولها.

سألني صاحب الحافظة عن عمري، وفي أي مدرسة، فأجبته بأنني أعمل منذ سنتين في جمع البلاستيك من الشوارع وأماكن القمامة لصالح مصنع لتدوير البلاستيك، وأن عمري الآن ثمان سنوات.

قال صاحب الحافظة: ألست في مدرسة.

فقلت مجيبا: لا؛ إن أبي قعيد بالمنزل بسبب حادث كان قد وقع له أثناء عودته من عمله، وأمي مريضة بداء السكري، لكنها تعمل كخادمة في أحد المنازل، وأنا أعمل كي أساعدها في مصاريف البيت وأعبائه.

فكر صاحب الحافظة قليلا، وأخذ يحدث نفسه عن هذا الطفل الذي وجد فيه ابنه الذي حرم منه بعد وفاته في سنوات عمره الأولى، وشعر بعطف أبوي نحوه، ووجد فيه طفلا بلا طفولة، كرجل يعمل ويكدح كي يعيل أسرة، تساءل في داخله، أين حق هذا المسكين في طفولته؟ من يستطيع أن يعوضه سنين طفولته حين يكبر وينمو على هذا النحو؟ كيف نظرته للعالم بعدما طلب منه أن يشتد عوده ويكون كالرجل الصلب منذ نعومة أظافره؟!

أخذت الأفكار تدور في رأس صاحب الحافظة؛ بينما كان الطفل مشغولا في التهام الوجبة التي قدمت له بنهم شديد دون أن يشعر بمن حوله.

طلب مني بعد انتهائي من الطعام معرفة طريقة عملي وأوقاته، فشرحت له أن عملي ليس له أوقات محددة، لأنه يعتمد فقط على الكمية التي أقوم بجمعها من البلاستيك خلال اليوم، وبها تكون مكافأتي الرمزية من المصنع.

تحمس صاحب الحافظة عندما علم بأنه لا يوجد أوقات محددة للعمل، واقترح علي دخول المدرسة، ما جعلني أشعر بالخجل، فصاحب الحافظة علم منذ قليل أحوالي المعيشية.

لاحظ الرجل تأثري عندما ذكر لي المدرسة، فقال لي: إنني سوف أتكفل بالرسوم المدرسية، وما عليك إلا تنظيم وقتك كي توفق ما بين العمل والمدرسة، وأن من الممكن أن تعمل لمدة ساعة قبل المدرسة في جمع البلاستيك وتستطيع أن تستأنف عملك بعد الانتهاء من المدرسة وعمل واجباتك.

استحسنت الفكرة وتمنيت من داخلي لو أنها تتحقق، لكني شعرت بالخجل من صاحب الحافظة.

وطلب مني أن أخبر والدي بهذا الحديث. ثم غادرت منزل صاحب الحافظة، وكان قلبي مليئا بالسعادة، وتوجهت مباشرة إلى مسكني كي أخبر والدي بما حدث وما كان من رد فعل الرجل، فبكت أمي من الفرحة وسجدت شكرا لله، وأخذ والدي يدعو لصاحب الحافظة، ولي بالتوفيق والنجاح في مدرستي وحياتي.

في اليوم التالي ذهبنا للمدرسة معا وقام صاحب الحافظة بتسديد الرسوم وتسجيلي لديهم، ثم اصطحبني إلى أحد المتاجر لشراء الملابس المدرسية، ما جعلني أشعر مرة أخرى بطفولتي التي كادت تنمحي من ذاكرتي.

لاحقا وعند بداية الدراسة كنت قد نظمت أوقات عملي كي لا تتعارض مع المدرسة، فكان يوم الجمعة وحده بمنزلة أيام الأسبوع، كنت استيقظ من بداية اليوم باكرا كي أقوم بجمع البلاستيك، لأني في باقي أيام الأسبوع كنت أذهب إلى المدرسة وبعدها أقوم بواجباتي الدراسية، فكان عملي في هذه الأيام لا يزيد على ثلاث ساعات، وكان هذا يؤثر على أجري اليومي، فلهذا كنت أنتظر قدوم يوم الجمعة كي أحاول تعويض ما فاتني.

داومت على الذهاب للمدرسة والتركيز على واجباتي المدرسية، ما جعل أساتذتي يحبونني ويهتمون بي، إلا أن أحد هؤلاء المدرسين كان قد لاحظ تأخيري على المدرسة في بعض الأيام، فسألني عن السبب. وفي هذه الحالة كنت اضطر للكذب على المعلم، كي لا أشعر بالخجل والإحراج وسط زملائي بالصف.

ذات يوم في السادسة صباحا كنت أقوم بجمع البلاستيك من الشوارع قبل ذهابي إلى المدرسة، وعندما رجعت للمسكن لترك ما تم جمعه وبعد خروجي من المسكن، أوقفني المعلم في الشارع ليسألني عن الذي شاهده قبل قليل، وقال لي إنه كان يراقبني خلال الساعة الماضية. فأخبرته بقصتي.

رأيت تأثر المعلم في عينيه بعدما علم الحقيقة، ما جعلني أستحوذ على مكانة كبيرة لديه. لاحقا كان المعلم يتغافل عن التأخيرات. واهتم بي كثيرا، فكان يقوم بعمل مذكرات وشروحات لي لتساعدني أكثر على فهم الدروس. ويوما بعد يوم كان مستواي في ازدياد وتفوق مستمر، إلى أن عبرت المرحلة التعليمية وقامت المدرسة بتكريمي وجعلتني الطالب المثالي.

أثناء التكريم وعند اصطفافنا في ساحة المدرسة، كانت شمس ذلك اليوم تبدو متألقة، ترسل لي شعاعها المضيء ليحيطني بالدفء، كانت العصافير تتغنى على أشجار الساحة، أظنها كانت تحتفي بي. وسط أجواء يومي السعيدة وقفت مشدوها بما يحدث معي، أصرخ بصمت من أعماقي مستغيثا بالإنسانية لتنقذني من معاناتي. أرى الجميع من حولي يخاطبونني.. يهنئونني.. يمازحونني؛ لكنني لا أسمع أصواتهم، أراني لا أنتمي للعالم الآخر، العالم الذي يسلب ما بداخلي من شعور بالحياة؛ عالم الطفولة والعمل.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال