✍ إحسان الدبش – باحث وكاتب:

قال الله عز وجل في القرآن الكريم: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (البقرة 269).

من آتاه الله ﴿ الحكمة ﴾ أحسن التصرف في أموره كلها، وقد وصف الله عز وجل من آتاه الحكمة أنه ﴿أوتي الخير كثيرا﴾ والخير الكثير الذي يناله صاحب الحكمة أنه في حسن تصرفه مع نفسه وتجاه غيره يتصف بالنجاح في مواقفه التي يتخذها. سواء كانت مواقف تربوية أو اجتماعية أو دعوية أو غير ذلك. فيحسن أداء عمله من جهة، ومن جهة أخرى في علاقاته الاجتماعية يتخلص من ( ورطة ) كان من الممكن أن يقع فيها وقد تؤدي هذه الورطة إلى كارثة إن أساء التصرف. فعندما أرسل الله عز وجل موسى عليه السلام وأخاه هارون إلى فرعون قال له: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ (طه44) فمن الحكمة القول اللين في الدعوة إلى الله. فالذي يفتقد الحكمة يندم بعد تصرفه ولات ساعة مندم.

وأسباب قلة الحكمة عديدة: منها قلة العلم، ومنها التسرع في اتخاذ القرار، ومنها سرعة الغضب. ومنها ضعف التجربة في الحياة العملية. ومنها الإنجرار وراء العواطف.

والحكمة التي يتصف بها بعض الناس منها موهبة. ومنها مكتسب وكلاهما فضل من الله كما وصف رب العالمين داود عليه السلام حيث آتاه الحكمة وفصل الخطاب. وكذلك لقمان الحكيم الذي أوصى ابنه وصايا هامة جداً كما ورد في سورة لقمان. وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس قائلاً: « اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل » 1

وتعرف الحكمة بأنها وضع الأمور في مواضعها... والمكتسب من الحكمة يحتاج إلى التفقه في الدين بشكل جيد كما قال الإمام مالك في الموطأ: «وإنه ليقع بقلبي أن الحكمة هي الفقه في دين الله».

وأما الإمام النووي فقد عرف الحكمة: « أنها العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل والكف عن ضده ». تركيز الإمام النووي في التعريف على تهذيب النفس له دلالاته، لأنه بتهذيب النفس ينجو صاحبها من العجب والكبر وغيرها من الصفات الذميمة المنفرة، فالعلم كما أنه ضرورة لكنه بدون تهذيب النفس قل نفعه.

فمن الحكمة ماله علاقة بالتربية والأدب كأن يحترم المرء أباه وأمه خاصة ولايكون مستهتراً بهم. وأن يحترم زملاءه ومن هو أعلم منه فيخاطبه بلباقة وحسن تصرف ولا يتعالم عليه.... ومن آداب الحديث بين اثنين أو أكثر أن يصغي لمحدثة ولايحجز كل الوقت في الحديث له. أوجه الحكمة كثيرة في ميادين الحياة المختلفة.

من أوجه الحكمة أن لاينقل المرء الكلام المسيء المنفر وينقل الكلام الحسن المقرب... قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا "2

(فسلط على هلكته في الحق) تغلب على شح نفسه وأنفقه في وجوه الخير

وقد أوصى الصحابي الزبير بن العوام ابنه عروة قائلاً: « مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ، بُنَيَّ لِتَكُنْ كَلِمَتُكَ طَيِّبَةً، وَلْيَكُنْ وَجْهُكَ بَسِيطًا، تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِمَّنْ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ »3

1- مسند أحمد 2422.

2- صحيح البخاري 73/ شرح الكلمة لمصطفى البغا

3- مداراة الناس لابن أبي الدنيا 42

 

• النقود في التاريخ الإسلامي
• تعلم اللغة العربية عند أبناء ...
• "أبراج الكويت".. نحو قائمة التراث ...
• "القرقيعان".. حصاد الخيـر فـي شهر ...
• "بعدانية"