✍ إحسان الدبش – باحث وكاتب:

من المعلوم أن الآباء والأمهات يؤثرون أبنائهم على أنفسهم، فهم فلذة أكبادهم، يقدمون لهم كل ما يستطيعون لإسعادهم وسرورهم، سواء كانوا صغاراً أم كباراً. لكن كما يقال لكل قاعدة شواذ. فبعض الإباء على قلتهم يؤثرون أنفسهم على أبناءهم. لكن أب يؤثر نفسه على ابنه في أمر غير متوقع فهذا هو الغريب في الأمر؟؟

حمدان فتى تجاوز السابعة عشر من عمره، يعيش مع والده ووالدته وإخوته في منطقه بعيدة ذات، طابع ريفي يجمع بين رعي الأغنام وزراعة الأرض. يساعد والده في رعي الأغنام حيناً وزراعة الأرض حيناً آخر، يعود إلى قريته مع الغنمات وقد شارف غروب الشمس ذو المنظر البديع على أن تختفي تحت الأفق. وظل الغنمات يسبقها قبل أن تصل إلى الزريبة حيث مسكنها. والأجراس الناعمة في بعض أعناقها تقرع قرعات خفيفه، والكلب الذي يرافقهم صامت عن العواء من تعبه في المسير خلال اليوم. ونسمات الهواء اللطيفة تلفح الوجوه. يفكر حمدان وهو يجد المسير، هل يبوح بسره، وما يجيش في صدره لوالده، أم يبقى هذا السر أسيراً في صدره.

عندما كان صغيراً، تأتي جارتهم لزيارة والدته مصطحبة ابنتها الصغيرة الوحيدة التي تماثله في العمر، يلعبان سوية ببراءة الأطفال. لايشعر بشيء غريب تجاهها، لكنه لما تقدم به العمر وأصبح فتىً كان يشعر شعور غريب تجاهها، وازداد هذا الشعور عندما أصبح شاباً، وأهم ما في هذا الشعور زيادة خفقان قلبه عندما يراها، القلب هو المعبر الصامت اللاإرادي عن أحاسيس الناس ومشاعرهم، خاصة في المواقف الحرجة، سروراً وحزناً. علم فيما بعد أن هذا الشعور اسمه ( الحب ). كان حمدان شاباً عفيفاً، أراد الحصول على محبوبته بطريق نزيه، صارح والده بذلك وأنه يريد أن يتزوج ممن أحب. فما كان جواب والده إلا.. أن قال له: يابني كيف لك أن تتزوج ولا تملك شيئاً من المهر، عليك أن تكد وتتعب لتحصل على المهر اللازم لزواجك.

سمع الشاب كلام والده، فقال في نفسه: إذا كان والدي لايريد أن يساعدني في زواجي فلماذا لا أشحذ من همتي وأشد من عزيمتي للحصول على مطلبي، والوصول إلى عزيزة قلبي.

ترك الشاب بلده وسافر إلى مدينة بعيدة لتحصيل رزقه وتوفير مهره، غير آبه براحة جسمه ونضارة شبابه، عساه أن يوفر مبلغاً من المال ينال به حظه من الدنيا. وبعد كد وتعب قضاه في غربته، وأمضى ثلاث سنوات من عمره، استطاع أن يجمع المبلغ المطلوب ليشد الرحال إلى بيت أهله. وصل بلدته بسلام وشق طريقه إلى داره بأمان، فرحاً مزهواً، فهو على باب تحقيق هدفه. طرق باب بيت أبيه.....فُتِحَ الباب؟ فرأى حبيبته قد فتحت الباب، فوجئ برؤيته لها! وعبرت مخيلته تساؤلات شتى ؟!

قال لها: ما الذي جاء بك إلى هذا البيت؟

قالت : وهي لاتدري أنها في قلب من تخاطبه. ألم تعلم أن أباك خطبني وتزوجني.

......اصفر وجهه وابتلع ريقه، وكأنه لم يصدق مايسمع – أفعلها أبي بي؟؟ - كاد يسقط على الأرض من هول هذه الصدمة. فما كان منه إلا أن أدار ظهره لها وللبيت، وذهب هائماً على وجهه لايدري ماذا يفعل. تلاطمت الأفكار في رأسه، وهاجت المشاعر في صدره...

وقال: أهكذا تكون الحياة. حسبنا لله ونعم الوكيل. ولم يجد له عزاءً إلا أن يجلس بين أصدقاءه، وينشد لهم أناشيد حزينة، تعبر عن خيبة أمله، وتبخر أحلامه، وحزنه العميق، حتى لقبه أصدقاؤه بالمطرب الحزين.

كان على والد حمدان أن يراعي مشاعره لا أن يفعل ما فعل. رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي الآباء بقوله

« وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا »

هذا الحق متعدد الأشكال منه أن ييسر لابنه سبيل الزواج ما استطاع إلى ذلك من سبيل، ويراعي مشاعره فيما هو خير.

1-    صحيح مسلم 183

• النقود في التاريخ الإسلامي
• تعلم اللغة العربية عند أبناء ...
• "أبراج الكويت".. نحو قائمة التراث ...
• "القرقيعان".. حصاد الخيـر فـي شهر ...
• "بعدانية"