الإثنين، 29 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

258 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

4 8 2015 9 09 01 AM

د. إيهاب عبد السلام :

يبقى إعجاز القرآن الكريم دائمًا وأبدًا.. وأخصُّ هنا الإعجاز اللغوي.. فمع أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين وبكلمات ألِفَهَا العرب وترددت في أحاديثهم، فإن تراكيب القرآن ودلالتها تعكس خصوصية عجيبة تجعل من يتأملها يعيش في الكلمة ولا يستطيع أن يحيط بجمالها وما تفيض به من دلالاتٍ ومعانٍ.

وأنَّى لآدميٍّ أن يحيط بكلمات الله علمًا أو إدراكًا وفهمًا..؟ وإنما نبقى على مسافة بعيدة قريبة منها، يشرق في نفوسنا فيض جلالها وبهائها. حتى إن المفسرين وقفوا مبهورين من سر إعجاز القرآن وذهبوا في ذلك مذاهب كثيرة، لعل أعجبها (الصِّرْفَة) وهي تعني أن الله تعالى صَرَفَ الإنس والجن عن أن يأتوا بشيء مثل القرآن، وكأني بالذي اطمأنَّ إلى هذا التأويل قد أعْيَته الحيل في أن يعرف سر إعجاز كلمات القرآن وهو لا يستطيع إلا أن يقر بهذا الإعجاز الذي لا يدرك كنهه وفحواه؛ فلجأ إلى هذا التأويل لترتاح نفسه وهو أن الله تعالى صرف الخلق عن هذا.

يبقى القرآن يَعْلو ولا يُعلى عليه، ويبقى مورد كل مؤمن بالله يعيش في رحاب كلماته سعيدا مسرورا بأنه في حضرته.      

وأتوقف هنا عند التعبير القرآني (خُطُوَات الشَّيْطَان) وقد ورد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [البقرة - الآية 168] وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [البقرة - الآية 208] وقوله: (وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [الأنعام - الآية 142] وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) [النور - الآية 21].

ما خطوات الشيطان..؟ أهي تلك المسافات بين تَنَقُّل القدمين وهي تدب في الأرض..؟ أينهانا الله تعالى عن أن نسير خلف الشيطان فنذهب أينما ذهب وحيث يريد لنا..؟ وهل نرى الشيطان ماثلاً أمامَنَا إذ يمشي على قدمين ونحن نتبع أثَرَهُ..؟ إن كلمة (خُطُوَات) بجرسها وحركاتها لكأنَّهَا ترسم تلك الخطوات أمام أعيننا فتنقلها من عالم التَّخَيُّل إلى عالم المشاهدة.. وكل إنسان يأمر بالسوء ويحرِّضُ عليه فإنما يأمر بما يأمر به الشيطان وكأنه يقوم بذلك نيابة ووكالة عنه ومن يتبعه فإنَّمَا هو يتبع خطوات قائده ذلك الشيطان.. ألاَ تحمل هذه الكلمة –مجرد كلمة في سياقها- تلك الصورة المخذلة لمن يقع في الآثام الشيطانية بأنه عديم الشخصية والإرادة يُساق كالأنعام مقلِّدًا ومُتِّبِعًا خطوات الشيطان..؟! كما توحي بأن الشيطان دائم المحاولة في إغوائه لا يمل ولا يكل يسعى بإغوائنا ويطوف حولنا ويتربص بنا، وله في ذلك حيل وَخُطُوَات.. كلمة واحدة في القرآن الكريم تمثل مشهدًا كاملاً بتفاصِيلِهِ، وتَصِفُ حالاً دائمة، وحقيقة مؤلمة..!!

يرى بعض المفسرين أن خطوات الشيطان تعني طرائقه ومسالكه وما يأمر به. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:خطوات الشيطانعمله. وقال عكرمة: نزغاته. وقال قتادة: كل معصية فهي من خطوات الشيطان. أما ابن عاشور فيرى أن الله تعالى شبَّه حال العاصي في كونه متلبسًا بوسوسة الشيطان بهيئة الشيطان يمشي والعامل بأمره يتبع خطى ذلك الشيطان. ففيه (تمثيل مبني على تشبيه حالة محسوسة بحالة معقولة إذ لا يعرف السامعون للشيطان خطوات حتى ينهوا عن اتباعها) .

سيظل المفسرون والمتأملون يطوفون حول الكلمة، فَيُعَبِّرُ كل منهم عما تركته في نفسه من أثر، ويظل القرآن هو القرآن لا يخلق أبدًا ولا ينفد عطاؤه.

ونمشي خلف تلك الخطوات ليس لاتباعها -أعاذنا الله من ذلك- وإنما لنكتشف طبيعتها فنَحْذَرها؛ وفي سبيل ذلك نتوقف أمام قول المولى عزَّ وجلَّ: (كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ( [الحشر 16].

في هذه الآية يضرب الله مثلاً واقعيًّا لإنسان اتبع خطوات الشيطان فانتهت به إلى الكفر، ومن العجب أن يكون ذلك الرجل من العابدين المنقطعين للعبادة، ولكنها خطوات الشيطان بسحرها وإغوائها وحيلها العجيبة..!! فمن هذا الرجل وما قصته..؟

ذكر الإمام القرطبي في تفسير (الجامع لأحكام القرآن) عن ابن عباس في قوله تعالى: {كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ}: أن راهبًا اسمه برصيصا؛ تعبَّدَ في صَومعته سبعين سنة، لم يعص الله فيها طَرْفة عين، حتى أعيا إبليس؛ فجمع إبليس مَرَدَةَ الشياطين فقال: ألاَ أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ فقال أحدهم ويُدعى (الأبيض): أنا أكْفِيكَه؛ فلبس لبس الرهبان، وذهب إلى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه؛ وكان لا يخرج من صلاته إلاَّ يومًا في كل عشرة أيام، ولا يُفطر إلا يومًا في كل عشرة أيام؛ بل كان يواصل العشرة والعشرين والأكثر؛ فلما رأى الأبيض أن برصيصا لا يجيبه، أقبل على العبادة بجانب صَوْمعته؛ فلما خرج برصيصا من صلاته، رأى الأبيض قائمًا يصلّي في هيئة الرهبان؛ فندم أنه لم يجبه، فقال: ما حاجتك؟ فقال: أن أكون معك، فأتأدّب بأدبك، وأقتبس من عملك، ونجتمع على العبادة؛ فقال: إني في شغل عنك؛ ثم أقبل على صلاته.

لم ييأس الشيطان واستمر في خطواته فأقبل على الصلاة؛ فلما رأى برصيصا شدّة اجتهاده وعبادته قال له: ما حاجتك؟ فقال: أن تأذن لي فأرتفع إليك. فأذن له فأقام الأبيض معه عامًا لا يفُطر إلا في كل أربعين يومًا يومًا واحدًا، ولا يخرج من صلاته إلا في كل أربعين يومًا، وربما مدّ إلى الثمانين -تأمَّلْ صبر الشيطان واجتهاده في الوصول إلى غايته- فلمَّا رأى برصيصا اجتهاده أحس بتقصيره بالمقارنة به واطمأن إليه.

وهنا تأتي الخطوة الأخطر فقال الأبيض لبرصيصا: عندي دعوات يَشْفِي الله بها السقيم والمبتلى والمجنون. فتعلَّمها منه برصيصا.

ثم جاء الأبيض إلى إبليس فقال: والله لقد أهلكت الرجل.

ثم تعرّض ذلك الشيطان لرجل فخنقه، ثم قال لأهله -وقد تصوّر في صورة الآدميين-: إن بصاحبكم جنونًا ولا يقوى على علاجه إلا برصيصا، فإن عنده اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب؛ فجاءوه فدعا بتلك الدعوات، فذهب عنه الشيطان.

وكرر الأبيض ذلك مراتٍ يفعل بالناس ذلك ويرشدهم إلى برصيصا فيعافَوْن.

ثم تأتي خطوة أخرى من خطوات ذلك اللعين؛ فانطلق إلى جارية من بنات الملوك لها ثلاثة إخوة، فعذبها وخنقها. ثم جاء إليهم في صورة رجل ليعالجها فقال: إن شيطانها مارد لا يُطاق، ولكن اذهبوا بها إلى برصيصا فاتركوها عنده، فإذا جاء شيطانها دعا لها فبرئت؛ فقالوا: لن يقبل برصيصا هذا؛ قال: فابْنوا صومعةً في جانب صومعته ثم ضعوها فيها، وقولوا: هي أمانة عندك. فسألوه ذلك فأبى، فبنَوْا صومعة ووضعوا فيها الجارية؛ فلما خرج برصيصا من صلاته رأى الجارية وما بها من الجمال فَأُسْقِط في يده، فجاءها الشيطان فخنقها فخرج من صلاته ودعا لها فذهب عنها الشيطان، ثم أقبل على صلاته فجاءها الشيطان فخنقها. وكان يكشف عنها ويتعرض بها لبرصيصا، ثم جاءه الشيطان فقال: ويحك! واقِعْها، فما تجد مثلها ثم تتوب بعد ذلك. فلم يزل به حتى واقعها فحملت وظهر حملها. فقال له الشيطان: ويحك! قد افتضَحْتَ. فهل لك أن تقتلها ثم تتوب فلا تفتضح، فإن جاءوك وسألوك فقل جاءها شيطانها فذهب بها. فقتلها برصيصا ودفنها ليلاً؛ فأمسك الشيطان طَرف ثوبها فبقي خارجًا من التراب؛ ورجع برصيصا إلى صلاته. ثم جاء الشيطان إلى إخوتها في المنام فقال: إن برصيصا فعل بأختكم كذا وكذا، وقتلها ودفنها في جبل كذا وكذا؛ فاستعظموا ذلك، وقالوا لبرصيصا: ما فعلت أختنا؟ فقال: ذهب بها شيطانها؛ فصدقوه وانصرفوا.

ثم جاءهم الشيطان في المنام وقال: إنها مدفونة في موضع كذا وكذا، وإن طرف ردائها خارج من التراب؛ فانطلقوا فوجدوها، فهدموا صومعة برصيصا وأنزلوه وخنقوه، وحملوه إلى الملك فأقرّ على نفسه فأمر بقتله.

وهنا جاءه (الأبيض) فقال له: أما اتقيتَ الله أما استحيت وأنت أعبد بني إسرائيل! ثم لم يكفِكَ صنيعك حتى فضحتَ نفسكَ، وأقررت عليها وفضحت أشباهك من الناس! فإن متّ على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك بعدك. فقال: كيف أصنع؟ قال: تطيعني في خصلة واحدة وأنجيك منهم وآخذ بأعينهم. قال: وما ذاك؟ قال تسجد لي سجدة واحدة. فوافق برصيصا وسجد له من دون الله.

فقال: يا برصيصا، هذا أردت منك؛ كان عاقبة أمرك أن كفرت بربك، إني بريء منك، إني أخاف الله رب العالمين.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال