الإثنين، 29 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

255 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

252252

د. إيهاب عبد السلام :

لعل موقف التخيير الذي تعرض له محمد -صلى الله عليه وسلم- يبرز لنا الدوافع الحقيقية وراء دعوته، وذلك التخيير ما عرضه عليه عمه نقلًا عن كفار قريش بأن يجعلوا له الرياسة أو ما يشاء من أموال مقابل أن يكف عن دعوته؛ إن المستقرئ لهذا الحدث لا يجد أي تقارب بين وجهتي النظر أو دوافع كل طرف حتى إن الأمر كان مساومة من طرف واحد فقط، ولو أن هدف محمد -صلى الله عليه وسلم- كان الإصلاح من تلقاء نفسه بفكر بشرىٍّ ليس إلَّا؛ لكانت العبقرية تقتضي أن يقبل الرياسة عليهم، ثم يأمرهم بالإصلاح الذي ينشده لهم، ويوافق هذا الأمر هواه، ولكن محمدًا حسم الأمر بصرامة، توحي بأن القضية ليست في يده، ولا نابعة منه هو، ولا يملك التفاوض حولها، فقطع عليهم جميع السبل، وأخبرهم أنهم لو وضعوا الشمس والقمر في يديه – وهيهات ذلك – ما أجابهم إلى ما يريدون، وأخبرهم أنه بين خيارين لا ثالث لهما وهما أن يوفقه الله في إظهار دعوته ونجاحها أو أن يموت في سبيل ذلك.

يقول الدكتور محمد سعيد البوطي: "وإذن، فإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لم يقدم نفسه إلى العالم زعيمًا سياسيًّا، أو قائدا وطنيًّا، أو رجل فكرة ومذهب، أو مصلحًا اجتماعيًّا.. بل لم يتخذ لنفسه، خلال حياته كلها، أي سلوك قد يوحي بأنه يسعي سعيًا ذاتيًّا إلى شيء من ذلك."

 الأمر إذن لم يكن الدنيا وما فيها، ولا بعض مبادئ الإصلاح التي يريدها محمد -صلى الله عليه وسلم- منهم، وإنما هو أمر من الله ما عليه إلا أن يؤديه كما يريده الله، فلا مجال إذن للتفاوض حوله، ولمَ لا يفعل ذلك والوحي الذي يأتيه يقول له: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ  لاَ  يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ". [المائدة: 67]

موقف آخر يجعلنا ندرك أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يحاور أعداءه بما يمليه عليه فكره وعقله، بل لم يكن لديه ما يرد به إلا ما يرد به الوحي على لسانه في أغلب المواقف؛ ذلك الموقف عندما أقبل عليه عتبة بن ربيعة يفاوضه في أمر الدعوة، وقد كان عتبة سيدًا في قومه فقال لهم وهو جالس في نادي قريش، ومحمد وحده في المسجد: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ ... فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيت علمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «قل يا أبا الوليد، أسمع» قال: يا ابن أخي، إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوَّدْناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا – أي من الجن – تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه... حتى إذا فرغ عتبة قال له رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم. قال: «فاسمع مني» قال: أفعل. فقال محمد-صلى الله عليه وسلم-: "حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ  لاَ  يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ" [فصلت: 1 - 6].

ومضى محمد -صلى الله عليه وسلم- يتلو سورة فصلت حتى إذا وصل إلى موضع السجدة سجد، وقد استمع عتبة إلى السورة جيدًا، ثم قال له محمد-صلى الله عليه وسلم-: «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك».

فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال لهم: ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب، فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.

قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.

فقال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.

إن الكفار لم يكونوا يستمعون إلى القرآن، وحرصوا على ذلك وتواصوا به، فقد أدركوا بالتجربة أنه سلاح محمد الوحيد، بل إنه سلاح قوي لم يجسروا على مواجهته، ولذلك انتهز محمد -صلى الله عليه وسلم- الفرصة عندما أقبل عليه أحد كبار الكفار وسادتهم، وقَبِلَ أن يسمع منه، فلم يسمعه غير القرآن، وكان ذلك كافيًا بأن يخسر عتبة تلك الجولة من التفاوض، فخرج على قومه بذلك الرأي الحكيم، ولعل عتبة عندما بادر بالذهاب إلى محمد وحده لم يكن في حسبانه أنه سيستمع إلى القرآن، ولو توقع ذلك لما ذهب إليه، لقد ذهب نائبًا عن الدنيا متحدثًا باسمها، ويظن أنه سيفاوض الدنيا أيضًا، فوجد نفسه لا يفاوض غير الله – تعالى – فقد تنحى محمدٌ جانبًا، ليرد الله تعالى على عتبة  من خلال آيات سورة فصلت، التي يتوعد فيها الكافرين بمصير كمصير عاد وثمود، وبخطاب قوي وشديد، يجعل لمحمد العزة والقوة ولأعدائه الخزي والهوان؛ ففي السورة بعد ذكر مصير عاد وثمود: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا  لاَ  تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" [فصلت: 26 - 28]، وفيها من التعزية والتسرية لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ما يجعل عتبة يدرك تمامًا أنه لا جدوى من المساومة وذلك كالآية: "مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ" [فصلت: 43].

ولعل عتبة قد أدرك في قرارة نفسه أن المعركة مع محمد -صلى الله عليه وسلم- خاسرة لا محالة، فآثر أن يربأ بنفسه وقومه عنها، وإن لم يؤمن عتبة بصدق محمد، فقد آمن أنه يحارب قوة يجهلها، وقد تطرق الشك إلى نفسه بأن محمدًا رسول الله حقًّا، أو قل: تطرق الإيمان إلى نفسه لولا عنجهية الكفر. إنه أراد من قومه أن يتركوا محمدًا للعرب فإمَّا يغلبوه وإمَّا يغلبهم، وأهل مكة في الحالين غالبون، ولكن أن ينتصر محمد على العرب سيكون خيرًا لأهل مكة لأن أمره إليهم؛ أي سيرثون حكم العرب بعده.

نعم، لقد حلل عتبة موقف قريش من محمد ودعوته تحليلًا سياسيًّا واقتصاديًّا فقط، وليس دينيًّا وإيمانيًّا، ويبدو أن ذلك المنحى لم يكن مطروحًا لديه، فقد كان من الذين غُلِّقَت قلوبهم.  

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال