الجمعة، 17 مايو 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

46 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

refaat salaam1 

لولا الشاعر داخلي لما اتجهتُ إلى الترجمة

أعكف حاليًا على ترجمة "الأعمال الشعرية الكاملة" لوالت ويتمان

الوعي الذاتي بتجربتي عصمني من تكرار ما كتبته سابقًا

الشعر خروج على "المعروف" لاكتشاف آفاق أخرى بلا أسوار شائكة

القاهرة - آلاء عثمان:

أحد رموز الشعر في جيل السبعينيات وأحد أهم رموز الحداثة الشعرية. استقلت تجربته عن تجارب الشعراء المجاورين له في مصر والدول العربية؛ حيث ارتاد تجربة مختلفة مدركًا منذ البداية أنه شاعر مختلف.. إنه الشاعر رفعت سلام الذي احتفت القاهرة مؤخرًا بصدور الأعمال الشعرية السابقة له. وكان لا بد ألا تفوت "الوعي الشبابي" هذه المناسبة لإجراء حوار معه يحدثنا فيه عن تجربته الشعرية السابقة وعن خطواته القادمة على المستويين: الشعر والترجمة، وتأثير قراءاته في التراث على ما يكتبه.

بداية.. هل جاء نشر أعمالك السابقة في جزأين بمبادرة منك أم من الهيئة المصرية العامة للكتاب؟

جاء صدور الأعمال بمبادرة من الهيئة العامة للكتاب، ورأيتُها مبادرة جيدة؛ وهي مسألة عملية تناقشنا فيها بشكل خاطف، لا أكثر. فقد كنت أعرف الحجم الكلي للأعمال، وبدا لي أنه من الصعب على القارئ التعامل -في القراءة- مع كتاب يصل إلى الألف صفحة من القطع الكبير، وكان لا بد بالتالي -من وجهة نظري- من تخفيف عناء عملية القراءة بتقسيم الأعمال إلى جزأين للتعامل السلس معها وعدم إضافة عبء عملي على كاهل قارئ سيواجه أعمالًا شعرية لها صعوبتها في عملية التلقي العام.

حماية التجربة الإبداعية

وهل إصدارك لأعمالك مجمعة كان محاولة لحماية تجربتك الإبداعية؟

الأعمال الشعرية الخاصة بي نفدت منذ سنوات ولا وجود لها في المكتبات؛ حتى آخر عمل شعري "هكذا تكلم الكركدن" الصادر منذ ثلاثة أعوام، ومن المفيد لجميع الأطراف أن تكون متاحة للقارئ، ومن المهم أن تصدر تحت إشرافي الكامل؛ منعًا لأي خطأ أو ارتباك، خاصة أن الإخراج الداخلي وطبوغرافيا الكتابة على الصفحة لا بد أن يكونا في غاية الدقة على النحو الذي صدرت به الأعمال من قبل، فقلت لنفسي: "بيدي لا بيد عمرو".

الآن بعد صدور أعمالك السابقة مجمعة.. ما هي خطوات الشاعر رفعت سلام المقبلة في مسيرته الشعرية؟

لا يدري شاعرٌ شيئًا عن خطوته المقبلة. إنه المجهول الذي يفتح أبوابه مغريًا بالاقتحام، أما المعلوم ففي الوراء، فيما قُطع من الشوط والخطوات، ولا معلوم في الأمام.

تمرد على الذوق العام

في قصائدك مزيج من أشكال شعرية متعددة متداخلة وممتزجة، غير ملتزم بنمط شعري واحد، وكأنك تقول "أنا لست كالآخرين"؛ بل صوت شعري منفرد. فكيف تشكلت تجربتك الخاصة؟

ليس للشاعر أن يكون كالآخرين، فهو ليس فردًا في قطيع أو نفرًا في طابور؛ بل له وعليه أن يكون منفردًا في إبداعه، بلا تشابه أو نسخ أو إعادة إنتاج للسابق أو انصياع للسائد؛ عليه أن يكتشف فرادته بنفسه ويجاهد لتحقيقها في نصوصه المختلفة، حتى وإن بدت غريبة أو صادمة آنيًّا؛ فالشعر في ذاته وجوهره خروج على الكتابة "العامة" المتشابهة المتوافقة مع الذوق العام والمستوى الثقافي المتوسط، خروج على المعروف المطروق المستهلك؛ من أجل اكتشاف آفاق أخرى بلا أسوار شائكة في أي اتجاه.

وقد كنتُ منتبهًا إلى ذلك منذ البدايات، في النصف الأول من السبعينيات، وتأكدتْ هذه الأفكار وترسخت أكثر مع الوقت. نعم كنت أعكف على قراءة التراث العربي والتراث العالمي، لا لأعيد إنتاج أي منهما أو أحد مفرداته؛ بل لإثراء خصوصيتي الشعرية وامتلاك نبرات صوتي التي لا تتشابه أو تختلط مع أية نبرات أخرى؛ فالوعي الذاتي بتجربتي الشعرية كوعي نقدي عصمني كثيرًا حتى من تكرار ما سبق لي أن كتبته (وهو ما يحدث كثيرًا مع الشعراء).

نلمس في أدائك أثناء إلقاء قصائدك نبرة اعتزاز وفخر وثقة.. وترفض أن تلقيها إلا في هدوء تام من الجمهور. ورغم هذا تصرح بعدم رضاك عما تكتبه. ألا يتناقض هذا الفخر والثقة مع عدم الرضا؟

نعم، فالهدوء حد أدنى لتلقي الشعر، ولا يمكنني إلقاء شعري وسط ضوضاء أو صخب في المكان؛ احترامًا لقيمة الشعر عامة، وشعري، واحترامًا لمن جاؤوا خصيصًا من أجل الشعر والشاعر.

وليس صحيحًا أنني غير راضٍ عما أكتب بالمعنى العادي (فلا أحد يجبرني على كتابته أو نشره)؛ بل الأدق أنني كشاعر سرعان ما ينتابني الإحساس عقب نشر كل عمل شعري بأنني غير مكتفٍ به ولا أراه بيني وبين نفسي غاية المراد من رب العباد وأن هناك ما لم أتمكن لحظة الكتابة من القبض عليه. ولعل هذا الإحساس هو الحافز على المضي إلى العمل الجديد؛ لعلي أتمكن فيه من إمساك والتقاط ما لم أتمكن منه من قبل.

refaat salaam2

نظرة دونية للإبداع

تحمل قصائدك عمقًا سياسيًّا ورفضًا للقمع، ومع ذلك لست عضوًا في حزب سياسي. فهل ترى أن للأديب دورًا مختلفًا عن السياسي؟

منذ البدايات رفضتُ الانضمام إلى أي تنظيم سياسي؛ خاصة أنني احتككتُ بكثير من الشخصيات اليسارية البارزة في المعارضة فوجدت نظرتهم إلى الإبداع الأدبي والفني "دونية" غير واعية بدور "الإبداع" الكبير في التطور الإنساني، وأن على الإبداع أن يكون مفسرًا شارحًا موضحًا للرؤية السياسية بلا استقلال (لهذا مثلًا انتقدوا شعرنا في السبعينيات والثمانينيات بأنه "غامض" على "الجماهير العريضة" ومتعالٍ عليها)؛ وبالتالي فهم يعتبرون الأدباء والفنانين شخصيات هامشية ينبغي أن تكون "تابعة" للسياسي، ورأيت أن هذا الموقف جاهل وبالغ السطحية ولا يليق بي كشاعر أن أخضع إليه.

وبالطبع، فللمبدع دورٌ مختلف أعمق من دور السياسي، خاصة أن الحياة السياسية لدينا مريضةٌ بالكثير من الأمراض المتوطنة؛ فالحضور الثقافي الرفيع لطه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور ويوسف شاهين ومحمود مختار وسيد درويش لا يضاهيه حضور أي سياسي في القرن العشرين المصري.

تجربة ابنتك الناشطة الحقوقية "يارا" ألهمتك العديد من المقاطع الشعرية نشرتَها مسلْسلة على صفحتك بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". فهل تفكر في نشرها في ديوان؟

نعم، نشرتها آنذاك ولقيت صدى طيبًا بين الأصدقاء والقراء، لكنها لم تتطور إلى "عمل شعري" متكامل، ولا هي تكفي حتى كميًّا لنشرها في كتاب مستقل؛ فظلت على حالها مجرد مقاطع شعرية، ولا أدري إن كانت ستجد لها مكانًا لائقًا في العمل الشعري القادم أم لا؛ فلتقرر مصيرها بنفسها ولن أفرض عليها شيئًا.

مشروعات قادمة

ترجمتَ "الأعمال الشعرية الكاملة" لعدد من الشعراء المهمين من مؤسسي الحداثة الشعرية في العصر الحديث، أمثال بودلير وكفافيس ورامبو. هل هناك شعراء آخرون تنوي ترجمة أعمالهم؟

أعكف حاليًّا على المراجعة الأخيرة (الرابعة) لـ"الأعمال الشعرية الكاملة" لوالت ويتمان، مؤسس الحداثة الشعرية الأمريكية والبريطانية في القرن التاسع عشر، وقد بدأتُ العمل فيها منذ ثلاث سنوات شاقة مرتبكة ويُنتظر أن أنتهي منها خلال شهرين لتكون جاهزة للنشر.

وبعد رحلة طويلة شاقة في عمل صعبٍ كهذا سيكون لي أن أمنح نفسي راحة طويلة من الترجمة، ألتقط خلالها أنفاسي اللاهثة التي تشبه لهاث عدَّاء الماراثون لدى وصوله قُرب خط النهاية، خاصة أنني في الأعوام الأخيرة أصدرتُ الأعمال الشعرية الكاملة لأربعة من مؤسسي الحداثة الشعرية في العالم دون استراحة أو فواصل زمنية ذات بال. والآن أُمنِّي نفسي بالراحة قليلًا بعد كل هذا العناء.

قلتَ في تصريح سابق إن المؤسسات الثقافية المعنية بالترجمة تعمل بلا خطة وتغلب عليها الفوضى. فهل ترى أن الفوضى لا تزال تسيطر عليها؟

في مصر لا خطة ولا منهج في المؤسسات الثقافية عمومًا؛ فهي تعمل بالقصور الذاتي بحكم العادة لا أكثر؛ حتى وإن تبدلت القيادات بين الحين والحين مثلًا فمعيار "الكم" العشوائي يتحكم في نشاط المركز القومي للترجمة منذ أن أسسه جابر عصفور إلى الآن، وبالرغم من أن خمسة أشخاص تناوبوا على رئاسته بعد جابر عصفور إلا أنهم التزموا هذه السياسة الغريبة ولم يستطع أحدهم الخروج عليها حتى الآن؛ ولذا لم يكن غريبًا أن يتم بيع إصدارات المركز في معرض الكتاب منذ عام ونصف بالجملة للتخلص من الركام الهائل الراكد عبر السنوات السابقة بسعر "جنيه واحد" للكتاب.

ورغم ذلك، لم يفكر رئيس المركز في تغيير النهج "الكمي العشوائي" الذي أدى إلى ذلك ويؤدي إلى فصل المركز عن الواقع الثقافي المصري كأنه جزيرة معزولة مستقلة تنتمي إلى "واق الواق".

refaat salaam3

آفاق عالمية والمائة كتاب

هل تعطلك رئاستك لسلسة "آفاق عالمية" و"المائة كتاب" -المعنيتين بترجمة الأعمال الأدبية العالمية بالهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة- عن مشروعك الخاص، سواء في الترجمة أو الشعر، أم تدعمه؟

للأسف تعطله؛ خاصة أنني ألزمت نفسي كرئيس للتحرير بما لا يلتزم به أحد، كالتأكد بنفسي من دقة وسلامة واكتمال الترجمة؛ وهو ما يعني القيام بالمراجعة الدقيقة على الأصل إن كان إنجليزيًّا أو فرنسيًّا والاسترشاد بترجمة إنجليزية أو فرنسية إن كان الأصل غير ذلك. فضلًا عن التصحيح اللغوي والإخراج الداخلي؛ ليتسلموا المخطوط بصيغة "بي دي إف" جاهزًا للطباعة الفورية، وما يسبق ذلك كله بالطبع من متابعة عملية الترجمة مع المترجم.

لكنني حين قبلتُ المهمة كنت أعتبرها "مؤقتة" ولم أدرك مشاقها الكثيرة ولا ما ساد أوساط الترجمة من عشوائية ومزاجية. سيكون عليَّ بذل الكثير حتى لا تتسرب إلى أعمال السلسلة.

ورغم كل ذلك، فالسلسلة تلقى في العام الأخير تعنتًا غير مفهوم ولا مبرر في عملية الصدور. ورغم أنها شهرية؛ إلا أن إدارة الهيئة توقفها بين الحين والآخر لأشهر طويلة. ورغم ما حققته من منجزات، من بينها الوصول إلى ترجمة 30% من قائمة عيون الإبداع العالمي من لغاتها الأم (الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والصينية والإيطالية والروسية) ترجمة كاملة دقيقة سلسلة بلا أي حذف أو وصاية، ونفاد كل عدد في الأسبوع الأول من صدوره كأول سلسلة مصرية يحدث معها ذلك.

رغم كونك شاعرًا؛ إلا أنك تركت الرواية تسيطر على سلسلة "المائة كتاب"...

لم أخترع قائمة "أهم مائة عمل أدبي في التاريخ"؛ فقد اعتمدتُ على القوائم العالمية الجاهزة في اللغات الأخرى (خاصة الإنجليزية والفرنسية) لأؤلف قائمتي الخاصة التي أعمل على إنجازها، مع ترك هامش لي لاختيارات مغايرة؛ ذلك يعني أن قائمتي متوافقة مع القوائم الدولية الأخرى ولا تتعلق بالمزاج الشخصي، وهذا هو واقع حال القوائم العالمية كلها؛ فالرواية تسيطر على القوائم، وترجمة الشعر أكثر صعوبة لديهم ولدينا؛ وبالتالي هو أقل انتشارًا. لكني أستعيض عن ذلك بتقديم ترجمات شعرية خارج سلسلة المائة كتاب كلما عثرت على ترجمة جيدة، والنسبة الكلية بين الشعر والرواية في الأعمال الصادرة ليست مجحفة أبدًا بحق الشعر.

كيف ترى الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى؟ وهل ترى أن الدول العربية ترصد مبلغًا كافيًا لترجمة أدبها؟

بحسب ما رأيتُ في المكتبات الفرنسية مثلًا فإن الترجمات العربية لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من ترجماتهم للآداب الأخرى؛ فـ"ألف ليلة وليلة" هي العمل العربي الأول في الترجمة، يليه أعمال نجيب محفوظ، وبعدهما بمسافة شاسعة تأتي أعمال متفرقة لآخرين.

وفي تقديري، فإن دعم عملية الترجمة إلى اللغات الأخرى مطلوب، وهو ما كانت تقوم به فرنسا حتى وقت قريب (بدعم ترجمات الأدب الفرنسي إلى العربية). لكن، مَن الذي سيحدد قائمة الأعمال الإبداعية المستحقة لدعم ترجمتها إلى هذه اللغة أو تلك؟ وماذا سيكون مفعول المجاملات والإقصاء لأسباب غير إبداعية؟! ومَن الذي سيقوم بعملية الترجمة: مترجم مصري وعربي أم أجنبي؟ وأين سيكون النشر: هنا أم هناك؟

فالمسألة أعقد من أن تكون مالية فقط، ويمكن الاسترشاد بالتجربة الفرنسية في دعم ترجمات الأدب الفرنسي.

الشعر أولًا وأخيرًا

في النهاية، أيهما ترى أنه رفعت سلام: المترجم أم الشاعر؟

الشاعر داخلي هو الذي اخترع المترجم واستضافه بكرم ورحابة صدر؛ فقد بدأتُ الترجمة بقصائد بوشكين، لأتعرف في السبعينيات كشاعر على أعماله التي لم تكن مترجمة إلى العربية، وقدمت أول مختارات شعرية له في العربية، ومن خلال عكوفي على ترجمته اكتشفتُ ليرمونتوف الشاعر (الذي كان مجهولًا لدينا كشاعر واصل التأسيس الشعري لما قام بوشكين في الشعر الروسي) وقمتُ بترجمة أعماله لتصدر طبعتها الأولى لدى اتحاد كتاب الإمارات (ولا تزال الترجمة العربية الوحيدة لأشعاره رغم تعدد طبعات روايته الشهيرة "بطل هذا الزمان" التي ترجمها الدكتور سامي الدروبي).

فلولا الشاعر داخلي -ذلك الشبق إلى المعرفة والاكتشاف- لما اتجهتُ إلى الترجمة، ولولا ذلك الشاعر لما قصرت جهدي في الترجمات اللاحقة على الشعر فقط وإزاحة ما سواه جانبًا، ولولا الشاعر لما كانت هذه الاختيارات المحددة في ترجمة أعمالٍ بعينها لا سواها؛ فهو الشعر أولًا وأخيرًا.

 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال