الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

59 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

tarbyaaaa

محمد عبادي - باحث دراسات إسلامية:

يتميز الإنسان عن سائر مخلوقات الله من الكائنات الحية بأنه كائن ثقافي يتعامل مع رصيد ورأسمال تراكمي من المحيطات المادية والاجتماعية والمؤسسية منذ ولادته، ومهما اختلفت وتعددت وجهات النظر في الثقافة من حيث مضمونها ومؤسساتها وآلياتها وثوابتها ومتغيراتها فإن نتاجها النهائي يتمثل فيما يستقر وينبع في العقل والوجدان من معان وقيم ومناهج للتفكير، يهتدي بها أصحاب تلك الثقافة في ممارسة شؤون معاشهم ومعادهم.

تمثل الحكمة رصيدا تراكميا من المعرفة الخبيرة على مستوى الأشخاص والزمان والمكان، كما أنها تعبر عن رصيد ثقافي تعاقبته الأجيال، بما يشكل نظرة فلسفية متكاملة، تهتم في جوهرها بقضايا الإنسان والكون والحياة.

وإذا كان الأمر على هذا النحو فإن هذا يعكس لنا طبيعة العلاقة بين الحكمة والتربية، وهي علاقة وثيقة، وإذا كانت الحكمة تمثل رصيدا ثقافيا ورؤية فلسفية اتخذها أصحابها، فإن موضوع التربية هو ذلك الرصيد الثقافي الذي تتناوله بالتهذيب وإعادة الصياغة بما يكفل صلاح الفرد والمجتمع.

في الوقت نفسه فإن عملية التربية لا يمكن أن تتم بمعزل عن نظرة متأنية من الحكمة التي تحدد مطالب الفرد واحتياجات المجتمع، بل تمتد لتحقيق أقصى درجات التوافق والسعادة الإنسانية.

وهذا الأمر هو الذي يعكس لنا جوهر فلسفة التربية ومجال عملها، ومن ثم فالعلاقة بين الحكمة بمفهومها الواسع وليس القاصر على الشق الفلسفي وبين التربية علاقة تبادلية وثيقة، وهما مجالان ينطلقان من أرضية مشتركة في التعامل مع الثقافة على اتساعها وشموليتها، بما يكفل مدى واسعا من القيم والمبادئ والثوابت التي تحقق فهما أعمق لهذا العالم المتغير في ظل ظروف غير مستقرة نسبيا.

التربية الإيمانية

لقد جعل الفلاسفة الغاية العظمى من فلسفتهم وتأملهم المستمر هي الوصول إلى الحقيقة في معرفة الخالق، وإن شذت هذه المعرفة في بعض الأحيان عن الفهم السليم، إلا أنها كانت في النهاية الهدف الذي يسعى الجميع إلى الوصول إليه.

والشرائع الإلهية تدور حول أصلين أساسيين هما:

1- معرفة الخالق –جل وعلا– ووصفه بصفاته اللائقة بجلاله.

2- معرفة ما يرضيه –سبحانه وتعالى– والتباعد عما لا يرضيه.

وهذان الأصلان عليهما مدار الشرائع الإلهية وحكمة الحكماء تدندن حولهما.

والحكمة من وجهة النظر الإسلامية تعني استخدام أرشد الطرق وأفضلها لإقامة منهج الله تعالى، وتيسير السبل لتحقيق غايات الإيمان ومنها: إخلاص العبودية لله تعالى قياما بحق الربوبية، والتحرر من العبودية لغير الله.

وقد هيأ ابن رشد المناخ الملائم للعمل على إظهار موافقة الشريعة لمناهج الحكمة، فغاية الحكمة عند ابن رشد هي سعادة بعض الناس، ولذلك فهي تعتمد طريقا برهانيا يختص بأهل البرهان دون غيرهم. أما الشريعة فغايتها سعادة كل الناس. وبما أن الشريعة كاملة لم تقتصر على صنف واحد من الناس فإنها دعت الناس من هذه الطرق الثلاثة، وعم التصديق بها كل إنسان، وذلك صريح في قوله تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:١٢٥).

الضبط الاجتماعي

إذا كانت الحكمة تسعى إلى توطيد الإيمان بالله في النفوس، فإن هذا الإيمان ينمي الميل الاجتماعي في الطبيعة البشرية، ويخفق فيها حدة الأنانية وطغيان الذات، ويجعل الترابط والتعاون والتفاعل الذي يقوم بين أفراد الجماعة قائما على ركائز أبنية يحوطها مفهوم الحب في الله، علاوة على الوشائج الرابطة النابعة في الطبيعة البشرية الفطرية وعملية التفاعل الاجتماعي التلقائي.

فالإيمان والتقوى يعملان كمنبه داخلي في نفس المؤمن، وإن الضبط تمارسه النفس على ذاتها من خلال استدماجها الكلي للآداب والقواعد الخلقية. ومن ثم فإن الانحراف أو الفعل الانحرافي يقترن بمفهوم الإثم، وهو تعد على حقوق الله، وليس مجرد خروج على قواعد المجتمع وقيمه ومعاييره.

التربية الأمانية

الحكمة كلها رؤية وتأن وتعقل وتبصر، وهي تطمئن إلى سلامة المنهج لاسيما المنهج السماوي. ومن ثم فإن غايتها هي تحصيل أكبر قدر من سعادة الإنسان في ظل مجتمع راق.

ولا يمكن أن يتحقق للإنسان الشعور بالأمن والحب والصداقة إلا من خلال الجماعة، فالسلوك الاجتماعي لا يكتسب معناه إلا في موقف اجتماعي، وتقدم الجماعة للفرد مواقف عديدة يستطيع أن يظهر فيها مهاراته وقدراته.

والدور الاجتماعي الذي تقوم به الحكمة –كما مر– ينعكس على أمن وسلامة الفرد والمجتمع على حد سواء. وهذا يجعل الحكمة ترسي دعائم التشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الآخر وديموقراطية التعليم، من أجل خلق جيل قادر على القيام بعملية الاستخلاف في الأرض على الوجه الأكمل من خلال نبذ العنف والكراهية والتعصب والصدام مع الآخر.

ضبط الانفعالات

بما أن الحياة تقوم على الخير والشر، وبما أن الإنسان يصطدم دائما بالموت، وبما أنه يعيش وسط غيره ويتأثر بهم، فلابد من الإحساس بالفرح واليأس والخوف والجبن والشجاعة والحب وغيرها من الانفعالات التي تتناوب في تعبيره، ومن هنا يأتي دور الحكمة التي تظهر فجأة أمام عينيه فتحذره من الخيانة وتحضه على التسامح وتقوي عزيمته وتنهاه عن الجبن وتعزز إيمانه بالقضاء والقدر، وتحثه على العلم والعمل.

والحكمة في المجال التداولي الإسلامي ترتبط في مجملها بالقدرة على التحكم في هوى النفس، تطبيقا لمنهج السنة والتزاما بمقتضاه، والتحكم في سنده، علما وتعقلا وتفقها مع اتقان يكسب خبرة وإصابة في القول والعمل، وهذا كله يبلور لنا الدور المهم الذي تلعبه الحكمة في عملية الضبط الانفعالي بما يتناغم مع السلوك الاجتماعي العام.

التعليم والحكمة

في الواقع إن هذا المطلب التربوي هو عنوان فرعي أثاره جنيفر جيدلي في بحث قيم تحت عنوان «تعليم للجميع أم تعليم للحكمة».

يرى جنيفر جيدلي أن النموذج الصناعي في التعليم الذي يؤيد التيار السائد في التعليم في الغرب، وبالتالي العمليات المؤسسية التي يقوم بها البنك الدولي، لم يتعرض هذا النموذج لانتقادات عديدة من قبل التربويين في العالم النامي فحسب، بل إن كثيرا من الباحثين المستقبليين الشباب أيضا قد أظهروا طوال العقد الماضي أن كثيرا من الشباب في العالم الصناعي أصبحوا في حالة خوف من المستقبل وشعور بالعجز وعدم التحسن بسبب النظام التعليمي.

ولقد أظهر بقوة كثير من التربويين المستقبليين أن حدود العقلانية الذرائعية للوضعية العلمية الغربية قد دفعت الثمن باعتبارها نظرية معرفية سائدة في المستقبل. ولقد أصبحت الإشكالية العالمية معقدة إلى درجة أن النسق العقلاني بنظمه المعرفية وتخصصاته المتشرذمة لم يعد قادرا على إيجاد حلول لها.

وقد ذهب جنيفر إلى أن ما يحتاج إليه العالم الآن هو نظم تعليمية متماسكة على مستوى كل من المدرسة والمجتمع، تساندها نظم معرفية من مستوى أرقى تشمل الكون كله، تتضمن النظم المعرفية التقليدية والأصلية لعديد من الثقافات. وهذه النظم المعرفية هي التي تدعو إلى جعل الحكمة هدفا لعملية التعلم، وجعل التغير هدفا مجتمع التعلم(1).

مما سبق تتبين لنا العلاقة الوثيقة بين التربية وبين الحكمة، فالتربية تسعى إلى الوصول إلى الحكمة بجوانبها النيرة والبصيرة، والحكمة تسعى إلى تحقيق ما تنشده التربية في المجتمع الإنساني على جميع مستوياته.

الهوامش

1- جنيفر جيدلي، تعليم للجميع أم تعليم للحكمة، ترجمة: أحمد عطية أحمد، مستقبل التربية العربية، مصر، مج8، العدد (26)، سنة 2002م، ص309.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال