الجمعة، 19 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

74 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تدوينات

20142 522456211

محمد شعبان أيوب* :

كان السلاجقة قوما من قبائل وسط آسيا، بدأوا بتكوين دولتهم من خلال استعانة الدويلات الإسلامية بهم في الجهاد والتوسع، وسرعان ما توسعوا وقويت شوكتهم على أنقاض السامانيين والغزنويين، ثم استعانت بهم الخلافة العباسية للتخلص من نير البويهيين الشيعة وتسلّطهم سنة 447هـ، وظهر منهم سلاطين عظام مثل ألب أرسلان وملكشاه وطغريل بك وغيرهم، واستطاعوا أن يجاهدوا في سبيل الله، وينشروا الإسلام في مناطق التماس مع الروم والأرمن وغيرهم، ونتيجة لهذا التوسع قرر الإمبراطور البيزنطي رومانوس ديوجينيس في سنة 463هـ أن يخرج لمهاجمة الديار الإسلامية في جيش جرار قوامة مائتي ألف مقاتل، جمعهم من بلاد الروم والروس والفرنج والأرمن وغيرهم، لقد كانت الحرب كانت حربًا أوربية بامتياز، يقول ابن الأثير: "جاءوا في تجمل كثير، وزيّ عظيم، وقصد بلاد الإسلام فوصلوا إلى ملازكرد من أعمال خلاط فبلغ السلطان ألب أرسلان الخبر وهو بمدينة خوى من أذربيجان قد عاد من حلب وسمع ما فيه ملك الروم من كثرة الجموع فلم يتمكن من جمع العساكر لبعدها وقرب العدو"[1].

ومنطقة ملاذكرد تقع عند أعلى نهر الفرات شمال بحيرة فان بالقرب من أرمينيا والتي تقع الآن أقصى شرقي تركيا، ويبدو أن الإمبراطور البيزنطي كان يريد اختراق ثغور المسلمين من ناحية الجزيرة والتوغل في الأراضي الإيرانية، وقد فطن السلطان ألب أرسلان لخطة العدو، وكان في ذلك الوقت قد بلغ أذربيجان في خمسة عشر ألف مقاتل فقط، فتقدم بسرعة لوقف زحف العدو، ويقال إنه انزعج عندما شاهد ضخامة جيش العدو لدرجة أنه أرسل إلى الإمبراطور رومانوس يطلب المهادنة، وكان هدفه من ذلك كسب الوقت ريثما تصله الإمدادات، غير أن الإمبراطور قد أصر على الحرب ومواصلة الزحف، وقال: "إني قد أنفقتُ الأموال الكثيرة، وجمعتُ العساكر الكثيرة، للوصول إلى مثل هذه الحالة، فإذا ظفرت بها، فكيف أتركها هيهات، لا هدنة إلا بالرّى [عاصمة السلاجقة] ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم"[2].

 وهذه الرواية التي يذكرها ابن الجوزي في "المنتظم" توضح الدافع الذي أخرج رومانوس بهذه الجيوش الجرارة؛ فقد كانت في نظره ردة فعل طبيعية لجهاد السلاجقة في منطقة القوقاز الجنوبي، واستيلائهم على أجزاء وحصون كبيرة منها، مما هدد الروسيين في الشمال والبيزنطيين في الشرق ومن ورائهم الفرنجة في الغرب الأوربي، ومن ثم لا نستغرب من هذا الجيش المختلط من أمم شتى!

لذا أيقن السلطان ألب أرسلان أن انتظاره لقوات معاونة تأتي من العراق أو الري في إيران سيستغرق وقتًا طويلاً وسيتسبب حتمًا في احتلال البلاد الإسلامية إن تقاعس عن الدفاع، ومن ثم نراه يتخذ قرارًا شجاعًا لأقصى درجة يقرر فيه بإيمان المؤمن بالله، المستمد قوته منه وحده، مواجهة القوة البيزنطية التي تقدر بمائتي ألف بجيشه الصغير الذي لا يتعدى الخمسة عشر ألف مقاتل، وهذا ما ينقله الأصفهاني بقوله: "ورأى السلطان أنه إن تمهّل لحشد الجموع ذهب الوقت وعظم البلاء وثقلت أعباء العباد، فركب في نخبته، وتوجه في عصبته وقال: أنا أحتسبُ عند الله، وإن سعدتُ بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر ... وإن نُصرتُ فما أسعدني، وأنا أمسى ويومي خير من أمسي"[3].

وينقل لنا المؤرخ الكبير ابن الأثير الموصلي رواية أخرى يظهر فيها دور العلماء في تحفيز القادة والجند، فإن ألب أرسلان لما قوبل طلبه للهدنة بالرفض انزعح للغاية حتى بدا عليه ذلك، فما كان من إمامه وفقيهه ومعلمه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي أن قال له: "إنك تقاتلُ عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح، فألقهم يوم الجمعة بعد الزوال بالساعة التي تكون الخطباء على المنابر فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة"[4].

وبالفعل ارتضى ألب أرسلان هذا القول من فقيهه، وهو موقف يشبه إلى حد كبير ما كان من آق شمس الدين مؤدب محمد الفاتح فاتح القسطنطينية بعد ذلك بأربعة قرون كاملة، "فلما كان تلك الساعة صلى بهم وبكى السلطان فبكى الناس لبكائة، ودعا ودعوا معه، وقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف فما ههنا سلطان يأمر وينهى وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف والدبوس، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله ولبس البياض وتحنط وقال: إن قُتلتُ فهذا كفني، وزحف إلى الروم وزحفوا إليه، فلما قاربهم ترجّل وعفّر وجهه على التراب وبكى وأكثر الدعاء، ثم ركب وحمل وحملت إليه العساكر معه، فحصل المسلمون في وسطهم، وحجز الغبار بينهم، فقتل المسلمون فيهم كيف شاءوا، وأنزل الله نصره عليهم، فانهزم الروم، وقُتل منهم ما لا يحصى حتى امتلأت الأرض بجثث القتلى وأُسر ملك الروم"[5].

وينقل عدد من المؤرخين حوارًا رائعًا بين ملك مسلم له قاعدة واضحة يتكئ عليها في كل معاملاته بما في ذلك أوقات حروبه وجهاده، وبين إمبراطور الروم الذي وقع في الأسر، يقول ابن الأثير: "وأخبره بأسر الملك فأمر بإحضاره، فلما أحضر ضربه السلطان ألب أرسلان ثلاثة مقارع بيده، وقال له: ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيتَ. فقال: دعني من التوبيخ وافعل ما تريد. فقال السلطان: ما عزمت ما تفعل بي إن أسرتني. فقال: أفعلُ القبيح. قال له: فما تظن أنني أفعل بك. قال إما أن تقتلني وإما أن تُشهّرَني في بلاد الإسلام، والأخرى بعيدة وهي العفو وقبول الأموال واصطناعي نائبًا عنك. قال: ما عزمتُ على غير هذا. ففداه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وأن يرسل إليه عساكر الروم أي وقت طلبها"[6].

والحق أن هذه الموقعة الحربية التي تبهر كل من يقرأ تفاصيلها التي لا يتسع المقام عن ذكرها، ويتتبع كم الشجاعة الفائقة التي اتصف بها السلطان السلجوقي وعساكره الأقوياء، تبهرنا كذلك في النتائج التي ترتبت عليها؛ فقد مهدت الطريق أمام جيوش المسلمين للتوغل في بلاد آسيا الصغرى، واقتطاع هذه الأقاليم المهمة من ممتلكات الإمبراطورية البيزنطية لأول مرة منذ قيامها؛ فقد وجه إليها ألب أرسلان ابن عمه سليمان بن قتلمش الذي استوطنها برجاله، وأقام هناك دولة سلاجقة الروم، وستكون هذه الدولة أطول الدويلات السلجوقية عمرًا، وعلى إثرها يخرج العثمانيون أسياد العالم في القرون الوسطى الحديثة.

والنتيجة الأخرى المهمة التي ترتبت على هذه المعركة الحاسمة هي قيام الحروب الصليبية، "وذلك لأن أخبار هزيمة الروم وعدم تمكنهم من حشد جيش آخر لرد الخطر التركي السلجوقي أثار مخاوف الدول الأوربية، صحيح أن العلاقات بين روما والقسطنطينية كانت عدائية بسبب ما قام بين الكنيسة الرومانية من خلاف مذهبي انتهى بانفصال الكنيسة الشرقية في القسطنطينية عن الكنيسة الغربية في روما سنة 1054م أي قبل موقعة ملاذكرد بنحو ثمانية عشر عامًا، إلا أنه على الرغم من ذلك كان الغرب اللاتيني ينظر إلى الدولة البيزنطية على أنها الحصن الأمامي الذي يحمي المسيحية ضد الإسلام في الشرق، ومن ثم يجب على الغرب المسيحي أن يمد لها يد المساعدة، وقد اهتم البابوات في روما بأمر هذه المساعدة، نذكر منهم البابا جريجوري السابع (1073 – 1085م)، والبابا أوربان الثاني (1088 – 1099م) فأخذوا يحرضون ملوك أوربا على مساعدة بيزنطة واتخذوا من هذه المسألة عاملاً مهمًا لتحقيق أهدافهم الصليبية"[7].

*باحث في التاريخ والتراث



[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/323. تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى – بيروت، 1997م.

[2] ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 16/124. تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى – بيروت، 1992م.

[3] الأصفهاني: تاريخ آل سلجوق ص37، 38. دار الكتب العربي – مصر، 1900م.

[4] ابن الأثير: الكامل 8/388.

[5] ابن الأثير: الكامل 8/388، 389.

[6] ابن الأثير: الكامل 8/389.

[7] أحمد مختار العبادي: في التاريخ العباسي والفاطمي ص187، 188. دار النهضة العربية – بيروت.

 

252262252

تحقيق: هالة عبدالحافظ - إشراق أحمد :

خلدت الأزبكية، اسم منشئها الأمير التركي أزبك الذي كان قائدًا للجيش في عهد السلطان قايتباي (872هـ-901هـ) ولهذا ارتبط اسم أزبك بالمنطقة فصارت تعرف بالأزبكية وقد أنشأ الأمير أزبك عددًا من المنشآت الدينية والمدنية، التي تطل على البركة وكان من ضمنها قصره الفخم، ومسجده الذي عرف باسمه.

وكان أيضًا من بين القصور العديدة التي أنشئت في حي الأزبكية قصر الشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر وكان بقصره كثير من التحف النفيسة والكتب المجلدة الفاخرة. «الوعي الإسلامي» زارت السور وجاءتكم بهذه التفاصيل.

 عندما ننصت لصوت التاريخ يحكي لنا عن هذه المنطقة نعرف أنه في سنة 881هـ (حوالى 1460م) قيض الله للبركة أميرًا هماما وقائدًا شجاعًا، ومحاربًا مغوارًا هو الأمير أزبك الخازندار، قد أمضى شطرًا كبيرًا من حياته في الكفاح والنضال، وجمع ثروة طائلة، فأراد أن يركن إلى الراحة، ويخلد إلى الهدوء والسكينة، ويتمتع باللهو والسرور.

ففكر أول ما فكر في أن يبني له قصرًا ضخمًا يجمع كل وسائل الترف والنعيم التي عُرفت في عصره، وقد وقع اختياره على بركة بطن البقرة التي قُدِّر لها أن تحمل اسمه فيما بعد، وكانت هذه البركة قد أصبحت أثرًا بعد عين، فقام أزبك بحفرها وتعميقها وبنى حولها، كما شيد مسجدًا وصفه المؤرخون بأنه بلغ النهاية في الجمال والفخامة، وأقبل الأعيان والأمراء من كل صوب على البناء في هذه البقعة الجميلة حتى نشأت في مدة وجيزة مدينةٌ قائمة بذاتها.

وقد سكنها بعض فقهاء المسلمين كشيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، وقاض القضاة أبي الجيعان، والدشطوطي، وجلال الدين البكري وغيرهم ممن لا يحصيهم العد.

وكان الشعراء حينما يصفون بركة الأزبكية وحدائقها يقفون طويلًا أمام المناظر الطبيعية المختلفة، ولما دخل الفرنسيون مدينة القاهرة، وقع اختيارهم على الأزبكية لتكون مقرًا لهم ومقامًا.

وفي سنة 1835م أمر محمد علي بردم البركة، ثم غرس مكانها حديقة واسعة وفي عصر الخديوي إسماعيل، حدثت تغييرات مهمة في خريطة الأزبكية، فقد أزيلت الحدائق وحولت إلى شوارع وميادين، وأقيمت في أمكنة منها المباني الفخمة، وظلت الحديقة التي غرست مكان البركة كما هي.

سور الأزبكية

وعلى السور الجنوبي منها أنشئ ما عرف بسور الأزبكية حيث السياحة الداخلية والخارجية واستعراض الكتب.

إذا مررت يومًا بجوار محطة مترو أنفاق العتبة بمنطقة وسط البلد، سيلفت انتباهك أناس من مختلف الأعمار، صغارًا وكبارًا، فتيات وشبابًا، نساءً ورجالًا.. وقد انتشروا في ثلاثة ممرات متتالية ويجمعهم هدف واحد وهو البحث عن كتاب أو مجلة في ما يقرب من 132 مكتبة صغيرة تضمها هذه الممرات المعروفة باسم «سور الأزبكية».. والتي تعتبر المقصد الرئيسي لكل طالب علم أو قاصد ثقافة أو راغب في المعرفة.

إذا كانت منطقة «وسط البلد» في العاصمة المصرية القاهرة ذات دور محوري بالنسبة إلى المثقفين بما تمثله من زخم إعلامي وثقافي ومعرفي، وبما تحفل به من مئات الأمكنة الفريدة التي ينساب من بين جدرانها عبق التاريخ ووهج الإبداع، وزخم التجارب الإنسانية، أماكن تتنفس إبداعًا متجددًا ممزوجًا برائحة عصور مختلفة، فإن «سور الأزبكية» الذي يتفرع من هذه المنطقة يعتبر بمثابة القلب في الجسد بالنسبة إلى كل مثقف أو راغب في السير على دروب المعرفة. 

مقصد ثقافي

ويعتبر سور الأزبكية من أقدم المقاصد الثقافية غير الرسمية التي تتميز فيها القاهرة، يتوافد عليه أناس من مختلف الثقافات والأعمار، ما بين أدباء وسياسيين ومعلمين وطلاب وهواة، كل يمهد طريقه نحو الثقافة بأشكالها المختلفة، فيجد كل منهم ضالته في هذا المكان الجامع لمختلف الأذواق والثقافات، حيث تحتوي مكتباته العديدة على كل ما يبحث عنه القاصد من كتب دينية وسياسية وتاريخية وعلمية وأدبية ومنوعة.

يعود إنشاء هذا السوق إلى عام 1933 حينما أستأجر المعلم أحمد الحكيم كشكًا من البلدية بإيجار شهري قدره 240 قرشا ونشر بضاعته من الكتب على جزء من سور الأزبكية، وهكذا ولدت مكتبات سور الأزبكية.

لكن ليس هذا هو السبب الوحيد للذهاب إلى سور الأزبكية، فقد حرص أصحاب المكتبات منذ سنوات بعيدة على أن يوفروا الكتب القديمة والنادرة بشكل خاص، والتي أعيا البحث عنها الطالبين في المكتبات الكبرى والرسمية، فلا يجدونها إلا لدى مكتبات السور، وحتى في حال وجودها في المكتبات الكبرى فإن أسعارها في سور الأزبكية تكون أقل كثيرًا من أسعار المكتبات ودور النشر المعروفة، كل ذلك جعله مقصدًا دائمًا للزائرين ومن يبحثون عمّا يروي ظمأهم للمعرفة والثقافة، لذلك وعلى مدى سنوات طويلة ظل السور مقصدًا للعائلات الساعية إلى بث روح الثقافة في نفوس أبنائها، وكذلك أصبح مركزًا لتشكيل ثقافة جيل أثرى عالم الثقافة العربية بشكل عام أمثال نجيب محفوظ وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وغيرهم.

كتب قديمة ونادرة

تحت لافتة كُتب عليها «89 سور الأزبكية»، ووسط زخم من الكتب القديمة جلس سمير أبوالعلا أو «عم سمير»، الذي أكد أنه ورث هذه المهنة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، والرجل يعود بذاكرته إلى أربعينيات القرن الماضي أيام «رغد العيش» -على حد وصفه-، عندما كانت الكتب معلقة على سور حديقة الأزبكية أمام مبنى الأوبرا القديم، وتُباع على أنغام حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، والموسيقار محمد عبدالوهاب.. وتراوده تلك الذكريات الجميلة بما فيها من وفود الزبائن من مختلف الجنسيات، والطبقات، والفئات، والأعمار، مشيدًا بمستوى العلاقات والتعاملات الراقية التي كانت تجمع البائعين بالزبائن طوال العام، والتي كانت أقرب إلى علاقة الصداقة منها إلى علاقة بائع ومشترٍ كما أصبح الحال في هذه الأيام.

وتوقّف «عم سمير» بالزمن قليلا لوصف الواقع الذي عايشه مع سور الأزبكية قائلا: «انتقلنا أكثر من مرة، الأولى إلى كوبري الأزهر في منطقة الدرَّاسة، والأخيرة إلى مترو العتبة، وكنا في الأصل نستخدم سور حديقة الأزبكية في عرض كتبنا، لكن مع أعمال التطوير والتغيير التي شهدتها المنطقة اضطررنا إلى التنقل، حتى عدنا أخيرا إلى منطقة مترو العتبة».

وتكسو نبرة صوت «عم سمير» حالة من الحسرة على الخسائر التي حلت به وبزملائه؛ نتيجة الانتقال المتكرر للسور قائلًا: عانينا من الانتقال المتكرر، خاصة حينما انتقلنا إلى كوبري الأزهر، وعانينا كثيرًا من الخسائر؛ نظرًا إلى ابتعاد المكان، لكن بعد عودتنا إلى منطقة وسط البلد بدأنا نستعيد نشاطنا الثقافي مرة أخرى، وعاد إلينا زبائن الأيام الماضية التي لا تعوّض أبدًا؛ لتعود العلاقات الجميلة التي كوّنها السور في أيام ازدهاره. 

وعن سوق القراءة، قال بصوت لا يخلو من الأمل: على الرغم من أن الكتاب فقد قيمته نتيجة غلاء المعيشة، فإن السور فيه إبداعات وإصدارات عديدة وقديمة، وعلينا أن نضع دعائم أساسية للثقافة لدى الجيل الجديد، فالشباب ليس كلهم عازفون عن القراءة بل النسبة التي نتمناها غير موجودة ونأمل أن تتغير خاصة بعد ثورات الربيع العربي.

وعلى الرغم من تراجع الإقبال على سوق الكتب فإن لـ«عم سمير» وجهة نظر خاصة، حيث رأى أن هذا شيء طبيعي إلى حد كبير في ظل السيطرة الإلكترونية، التي تستغل طاقة الشباب بأشكال عديدة، بالإضافة إلى التعليم وقواعده التي تقوم بدورها في توجيه الأطفال إلى الوسائط الأخرى غير القراءة، بجانب التربية ذاتها، فلابد أن نربي أبناءنا على القراءة.

ولا تغيب مكتبات سور الأزبكية كل عام عن معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، وعنه قال: «سور الأزبكية في معرض الكتاب هذا العام ظهر وسط جميع دور النشر في كل المخيمات الثقافية بارزًا، وواقفًا على قدميه، حتى إن أول ما تطأ قدم الزائرين أرض المعارض، تتوجه إلى مخيم سور الأزبكية، وأول ما يبحثون عنه كتابًا يكون بين أسواره».

وعن حال السور بعد التغيرات التي شهدتها مصر، قال عم سمير: «لاحظت هذا العام إقبالًا كبيرًا على الكتب السياسية والتاريخية والقانونية والأدبية، وكانت العناوين التي تحمل أي شيء عن الثورة هي التي تلفت أنظار الجميع، وكانت الأكثر إقبالًا عليها، إلى جانب كتب عن الأدب السياسي، والأدب الساخر، والكتب التعليمية، والروايات العالمية، بالإضافة إلى الكتب الدينية والثقافية والسياسية لـ عائض القرني، محمد عمارة، محمد قطب، محمد حسنين هيكل، وغيرها من الكتب، فاليوم الرغبة في المعرفة جامحة، الجميع يريد معرفة كل ما يدور حولهم من أمور سياسية وقانونية وفي مختلف المجالات».

المراجع :

1 - في ربوع الأزبكية محمد سيد كيلاني.

2- موسوعة القاهرة 1000 عام مكتبة الإنجلو.

3- تاريخ الجبرتي.

4- حي الأزبكية مقالة الأهرام الصادر 31/1/1969م، بقلم د.حسين عبدالعليم عليوة.

1025654

هيثم قطب :

 ( 1 )

ديسمبر .. شتاء 2012 .. الثانية صباحًا ..

هذه المرة كان الوقوف متاحًا لحسن الحظ .. كان لدى وقت العالم كله .. هدوء هذه اللحظة .. وتجار الليل القليلين الذين يعرفون لهذا الوقت فضله ..

عندما مررت من أمامه توقفت طويلًا .. الهيكل الضخم .. البناء المرتفع الذى كان منذ عدة أعوام ملعبًا لكرة القدم لا أكثر وأرضًا فضاء .. توقفت، وتذكرت البدايات .

( 2 )

أواخر التسعينات .. تاريخ غير معلوم بدقة ..

مسرح قديم في قاعة متوسطة الاتساع .. مقاعد خشبية بسيطة .. كل سبعة مقاعد أو أكثر مرتبة في شكل حلقة .. خمس أو ست حلقات في أرجاء القاعة ..

كل حلقة بها بضعة أطفال لا أكثر أكبرهم فى الصف الثالث الإعدادي .. وعلى رأس الحلقة شيخ .. يقوم بالترتيل كل دقيقة ثم يصمت ليسمعهم يرددوا وراءه ..

منذ 16 عامًا على الأقل لم يكن أحد يسمع إلا نادرًا عن مصطلح

 ( مدرسة قرآن ) .. كل ما كان يعرفه أغلب الناس هو التحفيظ الشخصي أو المنزلي ، أو الودى بلا نظام محكم ..

حينها، بدأ والدى يلقنني القرآن، كنت في الصف الأول الإعدادي على ما أذكر .. بدأت بسورة يس ثم قصار السور، بلا نظام معين وبلا هدف أيضًا .. مجرد تقليد صالح نشأت عليه البيوت الصالحة لا أكثر ..

بعد شهور قليلة، سمعنا عن شيء لم نفهمه في حينه، أول مدرسة للقرآن الكريم في محافظة المنيا، المحافظة كلها بمراكزها التسعة .. تقدم حينها للمدرسة 75 شخصًا .. نصفهم على الأقل أطفال في أواخر الابتدائية أو الإعدادية .. وكنت منهم ..

حينها .. بدأ المشوار .. بعد سنوات .. سيعرف الناس كلهم أي مشروع عملاق خرج من هذه المساحة الصغيرة !!

( 3 )

الطائرة القادمة التي ستنطلق من مطار القاهرة .. أوائل الألفيات .. سيكون على متنها مجموعة منتقاة من الرعيل الأول لشيوخ مدرسة القرآن الكريم بالمنيا .. سيذهبون لهناك .. وسيبدأون في نشر مدارس القرآن في الكويت ..

بعد سنوات .. ستصبح " الأترجة " أشهر مدارس قرآن في الكويت .. أنشأها الرعيل الأول الذى تعلم في غالبه على يد رجل هو محور هذا المقال !

لو كان لي أن أحكى قصة رجل واحد _ أي رجل _ ولا أريد لها نهاية .. وأريد لكل الناس، كلهم، أن يعرفوها فستكون هذه القصة ..

عندما سأل والدى كان الرجل الذى بدأ الفكرة هو شخص يدعى " أحمد عبد الفتاح " .. طبيب أمراض القلب والباطنة الشهير نسبيًا في المدينة، والذى أخرج الجيل الأول من معلمي القرآن في المنيا ..

الرجل كان معروفًا كقارئ أكثر منه كطبيب .. شهير جدًا .. في شهر رمضان من كل عام كانت شوارع مسجد الشبان المسلمين في صلاة التراويح منطقة مغلقة تمامًا .. كان يصلى وراءه الآلاف الذين يأتون من كل مكان تقريبًا ومن محافظات أخرى ..

الغريب، أن الدكتور كان من أكثر الناس إطالة في القراءة .. طريقة قراءته نفسها بطيئة جدًا .. من الممكن أن ينهى سورة كالغاشية في وقت ينهى فيه قارئ مُجيد " الذاريات " مثلًا ..

بالرغم من ذلك .. ومن حب الناس للرتم السريع في التراويح .. كانوا لا يملون أبدًا منه ، أتذكر للآن أننا كنا نخرج من الصلاة ولا نريدها أن تنتهى .. وأنه لو صلى بنا للفجر لمكثنا وراءه بلا تعب أو ملل ..

دكتور أحمد أخرج للناس الرعيل الأول من معلمي القرآن في المنيا كلها، تتلمذت تقريبًا على يد 75% من هؤلاء الشيوخ، الرعيل الأول أخرج جيلًا ثانيًا، فثالثًا .. علموا الناس أكثر وأكثر .. حتى وصلوا لآلاف المعلمين الآن ..

حمل الجيل الأول الشعلة، ثم ذهبوا للكويت، وأنشئوا هناك مدارس الأترجة لتعليم القرآن الكريم .. ثم انتشروا أكثر ..

ولأن المدرسة الأولى في المنيا طبقت الأسس الناجحة لل project management بدقة، فقد انتشرت في أول خمس سنوات حتى وصلت للقرى والنجوع، شبكة مركزية تابعة للمدرسة الأم .. ثم مدارس أخرى كبيرة .. وكثيرة .

( 4 )

ال 75 الذين بدأ بهم المشوار والذين كنت منهم، تحولوا لأعداد تقديرية تعدت ال 150 ألفًا في كل مكان، ليس لدى رقم دقيق لكن أثق في أن العدد يفوق ذلك .. مع مئات المدارس الفرعية الأخرى ..

الآن .. مدرسة الشبان المسلمين لتعليم القرآن الكريم في المنيا التي بدأت من قاعة متوسطة المساحة تحولت لمبنى عملاق يحمل نفس الاسم .. ورائحة المشوار العطرة ..

دكتور أحمد .. ومن علموني على مدار 11 عامًا حتى 2009 .. 20 شيخًا أو يزيد .. لم يكونوا يعرفون أنهم سينالون بعد 16 عامًا ثواب شاب سيجلس في الفجر في أحد مساجد العاصمة التركية " إسطنبول " .. يرتل القرآن كما علموه أن يرتله .. يرتله ويدعو لهم .

11-13-2014 11-24-20 AM

محمد شعبان أيوب :

في تراثنا الأدبي ذخائر تؤرخ للهامش، والهامش في عيون الساسة هم عامة الناس، تبتعد مصنفات الأدب عن جمود القصور وحياة الساسة، وإن كانت بين الخلفاء والسلاطين، فتقترب من الوجدان والمشاعر، وتستعرض تهامس الأحباب، وتسامر الخلان، وتسابق الأدباء.

وفي بحثنا في هذا الباب «الصداقة والصديق» قد هالنا ما وجدناه في عيون الأدب العربي من مادة تصلح لأن تكون مؤلفا كبيرا؛ نظرا لضخامة ما رأيناه من مادة، وكثرة ما استظرفناه واستطرفناه واستغربناه في هذا التجوال البديع، ولأهمية هذا التنوع فإننا نقف مع أربعة مصنفات، نستعرض بعض ما فيها حول هذا الأمر في عجالة المضطر، واضطرار المتعجل!

«أدب الكتاب» للصولي

كان محمد بن يحيى الصولي (ت335هـ) من أكابر أرباب الأدب في عصره، ولهذه المكانة التي تمتع بها، فقد نادم ثلاثة من خلفاء بني العباس، وهم الراضي والمكتفي والمقتدر، والنديم رجل من حاشية الخلفاء لا يستغنى عنه في مجالسهم، لإلمامه بالشعر والأدب وطريف الأخبار مما كان يحب الخلفاء أن يسمعوه في ذلك العصر.

وقد ألف الصولي كتابه «أدب الكتاب» في عصر الخليفة الراضي بالله (ت329هـ)؛ فقسمه على ثلاثة أجزاء.

وفي الجزء المخصص لمكاتبة الإخوان يستعرض الصولي نماذج مما كان في عصره في القرنين الثالث والرابع الهجريين بين الإخوان، وهو في هذا الباب يجمع كل ما قيل في هذه العلاقة بين الأصدقاء من قول مستطرف، وشعر مستظرف؛ مع التزامه بمنهج الرواية في عصره، بسرد سلسلة السند كاملة في بعض الأحيان، فمثلا يقول: «حدثنا أبوالعيناء قال: حدثنا الأصمعي قال: قال هشام: قد مرت لذات الدنيا كلها على يدي وفعلي، فما رأيت ألذ من محادثة صديق ألقى التحفظ بيني وبينه» (1). وهكذا في بقية هذا الباب.

«التمثيل والمحاضرة» للثعالبي

اشتهر الثعالبي (ت429هـ) بجاحظ نيسابور لنبوغه في الأدب العربي، فإذا كان الجاحظ أبوعثمان عمرو بن بحر (ت255هـ) صاحب التصانيف الأدبية البديعة هو درة الأدب العربي في القرن الثالث الهجري؛ فإن الثعالبي عبدالملك بن محمد بن إسماعيل من أبرز من نبغوا وأبدعوا في هذه الصناعة حتى وصف بجاحظ نيسابور.

وكتابه «التمثيل والمحاضرة» من عيون كتب الأمثال في الأدب العربي، وقد تفنن الثعالبي في تبويبها ودراستها، وتناولها من أوجه مختلفة، امتازت بالتبويب البارع الذي أخضع له منهج الكتاب فأبعده عن النسق المعجمي لكتب الأمثال (2).

وفي الفصل الرابع من كتابه هذا وعنوانه «في سائر الفنون والأغراض» أفرد عنوانا مستقلا للأمثال التي تم تداولها من قبله وحتى عصره عن الصداقة والإخاء معنونة بـ«الإخوة والأصدقاء والمودة وما يتصل بها» نستعرض نتفا منها، فيقول: «العرب: أخوك من صدقك لا من صدقك. من اتخذ إخوانا كانوا له أعوانا. عمرو ابن العاص رضي الله عنه: من كثر إخوانه كثر غرماؤه. المغيرة: التارك للإخوان متروك» (3). وينقل في موضع آخر من الباب عن ابن المعتز العباسي الشاعر (ت296هـ) قوله: «إنما سمي الصديق صديقا لصدقه لك؛ والعدو عدوا لعدوانه عليك، لو ظفر بك. إخوان السوء كشجرة النار يحرق بعضها بعضا. علامة الصديق إذا أراد القطيعة أن يؤخر الجواب، ولا يبتدئ بالكتاب. لا يفسدنك الظن على صديق قد أصلحك اليقين له. إذا كثرت ذنوب الصديق تمحق السرور به، وتسلطت التهم عليه. من لم يقدم الامتحان قبل الثقة، والثقة قبل الأنس، أثمرت مودته ندما» (4).

«التذكرة الحمدونية» لابن حمدون

يعود نسب محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون (ت562هـ) إلى الحمدانيين من بني تغلب الذين حكموا شمال بلاد الشام في حلب وما جاورها في القرن الرابع الهجري، وقد كان هو ووالده وابنه من بعده ممن عملوا في وظائف مختلفة في الدواوين العباسية في بغداد، وفي جهازها الإداري بصفة خاصة، وكان للكاتب في ذلك الزمن مكانة كبيرة، ولهذه المكانة فقد ترقت الأحوال بابن حمدون حتى وصل إلى مرتبة الوزير، فلم يلبث أن يهنأ بها بسبب وشاية الوشاة والحساد.

في هذه الموسوعة التي عكف على إخراجها وتحقيقها العلامة المؤرخ إحسان عباس، يخصص ابن حمدون الباب الحادي والعشرين عن «المودة والإخاء والمعاشرة والاستزارة» وهو باب لطيف يقع في أربعين صفحة تقريبا، من المجلد الرابع من الكتاب.

يستفتح ابن حمدون هذا الباب فيقول: المودة والإخاء سبب للتآلف، والتآلف سبب القوة، والقوة حصن منيع وركن شديد، بها يمنع الضيم، ويدرك الوتر، وتنال الرغائب، وتنجح المطالب. وقد امتن الله -عزوجل- على قوم وذكرهم نعمته عندهم بأن جمع قلوبهم على الصفاء، وردها بعد الفرقة إلى الألفة والإخاء، فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } (آل عمران:103) (5).

فهو ينوع بين النقولات المتعددة من بين أقوال النبي  " صلى الله عليه وسلم"  والصحابة والتابعين ومشاهير الأدباء والناس، فهو ينقل: «قيل لابن السماك: أي الإخوان أخلق ببقاء المودة؟ فقال: الوافر دينه، الوافي عقله، الذي لا يملك على القرب، ولا ينساك على البعد، إن دنوت منه راعاك، وإن بعدت عنه اشتاقك، لا يقطعه عنك عسر ولا يسر، إن استعنته عضدك، وإن احتجت إليه رفدك، وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله، يستقل كثير المعروف من نفسه، ويستكثر قليل المودة من صاحبه» (6). وينقل في موضع آخر قول أبي الأسود الدؤلي في صديق له فسد ما بينهما:

بليت بصاحب إن أدن شبرا

يزدني في تباعده ذراعا

أبت نفسي له إلا اتباعا

وتأبى نفسه إلا امتناعا

كلانا جاهد؛ أدنو وينأى

فذلك ما استطعت وما استطاعا (7).

الهوامش

1- الصولي: أدب الكتاب، تحقيق محمد بهجة الأثري ص237. المكتبة السلفية، مصر، 1341هـ.

2- موقع الوراق على الشبكة العنكبوتية.

3- الثعالبي: التمثيل والمحاضرة، تحقيق عبدالفتاح الحلو ص461، 463. الدار العربية للكتاب، الطبعة الثانية، 1981م.

4- الثعالبي: التمثيل والمحاضرة ص 464.

5- ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، تحقيق إحسان عباس 4/350. دار صادر، الطبعة الأولى، بيروت، 1417هـ.

6- ابن حمدون: التذكرة 4/377.

7- ابن حمدون: التذكرة 4/373.

11-12-2014 10-01-41 AM

إدريس بوحوت :

إن الحديث عن العمل الاجتماعي يرتبط أساسًا بالواقع الاجتماعي أولًا؛ ثم بالعنصر البشري المستهدف في العمل الاجتماعي ثانيًا؛ وهذا الارتباط ليس هو وليد اللحظة، أو نتيجة تنظيرات فكرية معاصرة، بقدر ما هو منهج أصيل في الثقافة الإسلامية.

ومنشأ هذا الارتباط يرجع بالأساس إلى مجموعة من العوامل، منها طبيعة الإنسان الاستخلافية، وكثرة احتياجاته وافتقاره إلى غيره لسد الخصاص والعوز الذي يشكو منه؛ ومنها تفاوت الناس في درجات الفقر والغنى؛ ومنها استحالة استقالة البشر عن بعضهم البعض وعن المساندة والمعاونة والتضامن فيما بينهم.

والعنصر البشري في العمل الاجتماعي الهادف إلى التنمية صنفان: صنف فاعل في العمل الاجتماعي، ومسهم فيه؛ وصنف منفعل به ومستفيد منه. ولا يمكن أن يتحقق وجود الصنفين وتفاعلهما؛ أخذًا وعطاءً، وتأثيرًا وتأثرًا، إلا بالفهم الجيد للتصور الإسلامي الذي ترشدنا إليه الآية الكريمة {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة} (البقرة: 30). والخلافة أو الاستخلاف من معانيها التوكيل والإنابة على أمر ما لرعايته وحفظه، ومعلوم أن الرعاية بجميع أشكالها وألوانها، سواء أكانت مادية صرفة، أو معنوية ومجردة، فإنها تندرج في جنس العمل الرسالي، والسعي السامي، والجهد الباني، بغض النظر عن شكل هذا السعي والعمل، ولا ضير أن يكون فرديًّا، أو جماعيًّا؛ كما أنه لا يضر أن يتم بشكل عفوي تلقائي، أو بشكل منتظم ومؤسساتي.

وفي كل الأحوال، فإن `فاعلية الإنسان وتفاعله مع الآخر أمر محقق لا محالة، مع المحيط، ومع البيئة، بل مع الكون كله، وبفضل هذه الفاعلية والتفاعل تتحقق التنمية والتعدية لأوجه البر والإحسان، وتتراجع الأنانية، وتُجتث مظاهر الفقر والتخلف من المجتمع، وتُنزَّه الأمةُ عن العبثية والرذيلة.

ولقد أولى الإسلام أهمية بالغة للعمل الاجتماعي، وتتجلى هذه الأهمية بالخصوص في الحث عليه والترغيب فيه، وبيان الأجر العظيم الذي يناله كل من يسعى في خدمة أخيه المسلم، وفي سيرة المصطفى  " صلى الله عليه وسلم"  نماذج حية تعكس السبق الإسلامي لتهيئة الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  وتربيته على العمل الاجتماعي قبل أن يوحى إليه. لذلك نقرأ بشارة أمنا خديجة لرسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  في ساعة العسرة، كم تذكر ذلك كتب السيرة، لما عاد من غار حراء، تثبيتا لقلبه  " صلى الله عليه وسلم"  «فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».

ومعلوم أن صلة الرحم، والصدق في التواصل، وإكرام الضيف، ومساعدة المحتاجين والتخفيف عليهم كلها مجالات للعمل الاجتماعي، وهذا دليل واضح أيضا على أن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  كان اجتماعيا ويسعى في قضاء حوائج الناس، كما كان أمينا على ودائع الناس، لذلك نجده عندما هاجر أمر عليًّا برد الأمانات إلى أهلها.

إن مجالات العمل الاجتماعي التي يرشدنا إليها الدين الإسلامي متعددة ومتنوعة، وما هذه البشارة السابقة الجميلة والمشرقة للجانب الاجتماعي في سيرته  " صلى الله عليه وسلم"  إلا غيض من فيض.  

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال