الجمعة، 19 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

70 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

20142 522456211

محمد شعبان أيوب* :

كان السلاجقة قوما من قبائل وسط آسيا، بدأوا بتكوين دولتهم من خلال استعانة الدويلات الإسلامية بهم في الجهاد والتوسع، وسرعان ما توسعوا وقويت شوكتهم على أنقاض السامانيين والغزنويين، ثم استعانت بهم الخلافة العباسية للتخلص من نير البويهيين الشيعة وتسلّطهم سنة 447هـ، وظهر منهم سلاطين عظام مثل ألب أرسلان وملكشاه وطغريل بك وغيرهم، واستطاعوا أن يجاهدوا في سبيل الله، وينشروا الإسلام في مناطق التماس مع الروم والأرمن وغيرهم، ونتيجة لهذا التوسع قرر الإمبراطور البيزنطي رومانوس ديوجينيس في سنة 463هـ أن يخرج لمهاجمة الديار الإسلامية في جيش جرار قوامة مائتي ألف مقاتل، جمعهم من بلاد الروم والروس والفرنج والأرمن وغيرهم، لقد كانت الحرب كانت حربًا أوربية بامتياز، يقول ابن الأثير: "جاءوا في تجمل كثير، وزيّ عظيم، وقصد بلاد الإسلام فوصلوا إلى ملازكرد من أعمال خلاط فبلغ السلطان ألب أرسلان الخبر وهو بمدينة خوى من أذربيجان قد عاد من حلب وسمع ما فيه ملك الروم من كثرة الجموع فلم يتمكن من جمع العساكر لبعدها وقرب العدو"[1].

ومنطقة ملاذكرد تقع عند أعلى نهر الفرات شمال بحيرة فان بالقرب من أرمينيا والتي تقع الآن أقصى شرقي تركيا، ويبدو أن الإمبراطور البيزنطي كان يريد اختراق ثغور المسلمين من ناحية الجزيرة والتوغل في الأراضي الإيرانية، وقد فطن السلطان ألب أرسلان لخطة العدو، وكان في ذلك الوقت قد بلغ أذربيجان في خمسة عشر ألف مقاتل فقط، فتقدم بسرعة لوقف زحف العدو، ويقال إنه انزعج عندما شاهد ضخامة جيش العدو لدرجة أنه أرسل إلى الإمبراطور رومانوس يطلب المهادنة، وكان هدفه من ذلك كسب الوقت ريثما تصله الإمدادات، غير أن الإمبراطور قد أصر على الحرب ومواصلة الزحف، وقال: "إني قد أنفقتُ الأموال الكثيرة، وجمعتُ العساكر الكثيرة، للوصول إلى مثل هذه الحالة، فإذا ظفرت بها، فكيف أتركها هيهات، لا هدنة إلا بالرّى [عاصمة السلاجقة] ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم"[2].

 وهذه الرواية التي يذكرها ابن الجوزي في "المنتظم" توضح الدافع الذي أخرج رومانوس بهذه الجيوش الجرارة؛ فقد كانت في نظره ردة فعل طبيعية لجهاد السلاجقة في منطقة القوقاز الجنوبي، واستيلائهم على أجزاء وحصون كبيرة منها، مما هدد الروسيين في الشمال والبيزنطيين في الشرق ومن ورائهم الفرنجة في الغرب الأوربي، ومن ثم لا نستغرب من هذا الجيش المختلط من أمم شتى!

لذا أيقن السلطان ألب أرسلان أن انتظاره لقوات معاونة تأتي من العراق أو الري في إيران سيستغرق وقتًا طويلاً وسيتسبب حتمًا في احتلال البلاد الإسلامية إن تقاعس عن الدفاع، ومن ثم نراه يتخذ قرارًا شجاعًا لأقصى درجة يقرر فيه بإيمان المؤمن بالله، المستمد قوته منه وحده، مواجهة القوة البيزنطية التي تقدر بمائتي ألف بجيشه الصغير الذي لا يتعدى الخمسة عشر ألف مقاتل، وهذا ما ينقله الأصفهاني بقوله: "ورأى السلطان أنه إن تمهّل لحشد الجموع ذهب الوقت وعظم البلاء وثقلت أعباء العباد، فركب في نخبته، وتوجه في عصبته وقال: أنا أحتسبُ عند الله، وإن سعدتُ بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر ... وإن نُصرتُ فما أسعدني، وأنا أمسى ويومي خير من أمسي"[3].

وينقل لنا المؤرخ الكبير ابن الأثير الموصلي رواية أخرى يظهر فيها دور العلماء في تحفيز القادة والجند، فإن ألب أرسلان لما قوبل طلبه للهدنة بالرفض انزعح للغاية حتى بدا عليه ذلك، فما كان من إمامه وفقيهه ومعلمه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي أن قال له: "إنك تقاتلُ عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح، فألقهم يوم الجمعة بعد الزوال بالساعة التي تكون الخطباء على المنابر فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة"[4].

وبالفعل ارتضى ألب أرسلان هذا القول من فقيهه، وهو موقف يشبه إلى حد كبير ما كان من آق شمس الدين مؤدب محمد الفاتح فاتح القسطنطينية بعد ذلك بأربعة قرون كاملة، "فلما كان تلك الساعة صلى بهم وبكى السلطان فبكى الناس لبكائة، ودعا ودعوا معه، وقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف فما ههنا سلطان يأمر وينهى وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف والدبوس، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله ولبس البياض وتحنط وقال: إن قُتلتُ فهذا كفني، وزحف إلى الروم وزحفوا إليه، فلما قاربهم ترجّل وعفّر وجهه على التراب وبكى وأكثر الدعاء، ثم ركب وحمل وحملت إليه العساكر معه، فحصل المسلمون في وسطهم، وحجز الغبار بينهم، فقتل المسلمون فيهم كيف شاءوا، وأنزل الله نصره عليهم، فانهزم الروم، وقُتل منهم ما لا يحصى حتى امتلأت الأرض بجثث القتلى وأُسر ملك الروم"[5].

وينقل عدد من المؤرخين حوارًا رائعًا بين ملك مسلم له قاعدة واضحة يتكئ عليها في كل معاملاته بما في ذلك أوقات حروبه وجهاده، وبين إمبراطور الروم الذي وقع في الأسر، يقول ابن الأثير: "وأخبره بأسر الملك فأمر بإحضاره، فلما أحضر ضربه السلطان ألب أرسلان ثلاثة مقارع بيده، وقال له: ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيتَ. فقال: دعني من التوبيخ وافعل ما تريد. فقال السلطان: ما عزمت ما تفعل بي إن أسرتني. فقال: أفعلُ القبيح. قال له: فما تظن أنني أفعل بك. قال إما أن تقتلني وإما أن تُشهّرَني في بلاد الإسلام، والأخرى بعيدة وهي العفو وقبول الأموال واصطناعي نائبًا عنك. قال: ما عزمتُ على غير هذا. ففداه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وأن يرسل إليه عساكر الروم أي وقت طلبها"[6].

والحق أن هذه الموقعة الحربية التي تبهر كل من يقرأ تفاصيلها التي لا يتسع المقام عن ذكرها، ويتتبع كم الشجاعة الفائقة التي اتصف بها السلطان السلجوقي وعساكره الأقوياء، تبهرنا كذلك في النتائج التي ترتبت عليها؛ فقد مهدت الطريق أمام جيوش المسلمين للتوغل في بلاد آسيا الصغرى، واقتطاع هذه الأقاليم المهمة من ممتلكات الإمبراطورية البيزنطية لأول مرة منذ قيامها؛ فقد وجه إليها ألب أرسلان ابن عمه سليمان بن قتلمش الذي استوطنها برجاله، وأقام هناك دولة سلاجقة الروم، وستكون هذه الدولة أطول الدويلات السلجوقية عمرًا، وعلى إثرها يخرج العثمانيون أسياد العالم في القرون الوسطى الحديثة.

والنتيجة الأخرى المهمة التي ترتبت على هذه المعركة الحاسمة هي قيام الحروب الصليبية، "وذلك لأن أخبار هزيمة الروم وعدم تمكنهم من حشد جيش آخر لرد الخطر التركي السلجوقي أثار مخاوف الدول الأوربية، صحيح أن العلاقات بين روما والقسطنطينية كانت عدائية بسبب ما قام بين الكنيسة الرومانية من خلاف مذهبي انتهى بانفصال الكنيسة الشرقية في القسطنطينية عن الكنيسة الغربية في روما سنة 1054م أي قبل موقعة ملاذكرد بنحو ثمانية عشر عامًا، إلا أنه على الرغم من ذلك كان الغرب اللاتيني ينظر إلى الدولة البيزنطية على أنها الحصن الأمامي الذي يحمي المسيحية ضد الإسلام في الشرق، ومن ثم يجب على الغرب المسيحي أن يمد لها يد المساعدة، وقد اهتم البابوات في روما بأمر هذه المساعدة، نذكر منهم البابا جريجوري السابع (1073 – 1085م)، والبابا أوربان الثاني (1088 – 1099م) فأخذوا يحرضون ملوك أوربا على مساعدة بيزنطة واتخذوا من هذه المسألة عاملاً مهمًا لتحقيق أهدافهم الصليبية"[7].

*باحث في التاريخ والتراث



[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/323. تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى – بيروت، 1997م.

[2] ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 16/124. تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى – بيروت، 1992م.

[3] الأصفهاني: تاريخ آل سلجوق ص37، 38. دار الكتب العربي – مصر، 1900م.

[4] ابن الأثير: الكامل 8/388.

[5] ابن الأثير: الكامل 8/388، 389.

[6] ابن الأثير: الكامل 8/389.

[7] أحمد مختار العبادي: في التاريخ العباسي والفاطمي ص187، 188. دار النهضة العربية – بيروت.

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال