الجمعة، 19 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

81 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

هذا ديننا

427858112

السنوسي محمد السنوسي :

في موضوع شائك كهذا، تبدو الحاجة أكثر إلحاحا إلى الوقوف قليلا مع تعريفات ومضامين المفاهيم التي نحن بصددها؛ حتى ننطلق من أرضية واضحة في المعالجة والحوار.

أما «التسامح» فهو من اللين والسهولة؛ يقال: «سمح- سمحا وسماحا وسماحة: لان وسهل، وانقاد بعد استصعاب» (1). وهو: «سعة صدر تفسح للآخرين أن يعبّروا عن آرائهم ولو لم تكن موضوع تسليم أو قبول. ولا يحاول صاحبه فرض آرائه الخاصة على الآخرين» (2).

وأمّا «التعصب»، فهو من «عصب اللحم بالكسر، أي كثر عصبه. وانعصب: اشتد. والعصب: الطي الشديد. وعصب الشيء يعصبه عصبا: طواه ولواه، وقيل: شده. وتعصب، أي شد العصابة. والعصابة: العمامة. والعصبية: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته، والتألب معهم على من يناوئهم، ظالمين كانوا أم مظلومين. وفي الحديث: العصبي من يعين قومه على الظلم» (3).

وجاء في «المعجم الفلسفي»: «التعصب»، غلو في التعلق بشخص، أو فكرة، أو مبدأ، أو عقيدة؛ بحيث لا يدع مكانا للتسامح. وهو ضرب من الحماسة الشديدة التي قد تؤدي إلى العنف والاستماتة. وهو بهذا حال غير سوية على مستوى الفرد والجماعة، ويصاحبها ضيق أفق وبعد عن التعقل (4). والتعصب نقيض الحرية والتسامح. إذا ازداد التعصب قلّت الحرية، والعكس بالعكس» (5).

وهناك مصطلح يتقاطع مع التعصب وهو «الغلو». و«الغلو: تجاوز الحد. يقال ذلك إذا كان في السعر غلاء، وإذا كان في القدر والمنزلة غلو. قال تعالى: {? ? ? پ} (النساء:171). والغلواء: تجاوز الحد في الجماح؛ وبه شبه غلواء الشباب» (6).

من هذه التعريفات يمكن أن نخلص إلى أن: التسامح حالة نفسية بالأساس تستتبع موقفا فكريا؛ فمجرد العلم لا يؤدي إلى التسامح إلا إذا تحلى صاحبه بأخلاق فاضلة. والتسامح والحرية مترابطان، وإن شئت فقل: مترادفان.

أما التعصب ففيه معنى الطي واللي والشد، أي الانغلاق والانطواء؛ فالمتعصب لا يحب أن يرى أو يسمع خلاف ما يعتقد، أو يسمع سماع المعرض لا سماع من يبحث عن الحقيقة. وقد يتطور التعصب من مجرد موقف فكري إلى فعل مادي، بالعنف والقتل.

بينما الغلو هو تجاوز الحد لشيء ليس بالضرورة أن يكون خطأ، بل قد يكون صحيحا في أصله، مثل المغالاة في حب الأنبياء بعبادتهم! أو المغالاة في حب الأوطان بالعنصرية! والغلو أقرب أن يتسرب إلى الشباب؛ لأنها مرحلة عمرية تتصف بالاندفاع والحماسة وعدم الروية.

إشارات

إذا نظرنا إلى المنهج الإسلامي -كدعوة وعملية تغيير- نجد أننا أمام عدة أركان يقوم عليها هذا المنهج، وهي: «المرسِل» وهو الله سبحانه، و«الرسالة» وهي الإسلام، و«المرسَل» وهو النبي محمد  " صلى الله عليه وسلم" ، و«المرسَل إليهم» وهم المسلمون، والناس كافة.

وقد وردت إشارات في القرآن الكريم والسنة النبوية تدلنا على أي مدى أن الإسلام بهذه الأركان هو أبعد ما يكون عن إقرار التعصب، فضلا عن الدعوة إليه.

فالله سبحانه أخبرنا عن ذاته العلية بأنه لم يخلق الناس ليعنتهم ولا ليوقع بهم الحرج والمشقة؛ فقال سبحانه: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (النساء:147). { يُرِيْدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيْدُ بكم العسر} (البقرة:185).

{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } (الحج:78).

و«الرسالة» قال الله تعالى عنها: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } (البقرة:256). كما قال عنها النبي  " صلى الله عليه وسلم" : «بعثت بالحنيفية السمحة» (رواه أحمد من حديث أبي أمامة).

و«الرسول  " صلى الله عليه وسلم" » قال الله تعالى عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } (آل عمران:159).

و«المسلمون» حدد لهم النبي  " صلى الله عليه وسلم"  المنهج الذي ينبغي عليهم اتباعه، فقال: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» (رواه البخاري من حديث أبي هريرة).

والسؤال: إذا كانت هذه الإشارات -وغيرها كثير- قد تواترت بحق المنهج الإسلامي، فكيف تسرب التعصب إلى واقعنا، وغاب التسامح بما يستلزمه من حرية في الفكر وتعددية في المواقف والرؤى؛ حتى تطور ذلك -أو تدهور- إلى عنف مادي، أساء إلى الإسلام بما لم يسئ به أعداؤه؟!

أسباب مشتركة

التعصب؛ سواء كان فكريا، أو سياسيا، أو اجتماعيا، أو متعلقا بموقف أو بشخص، له أسباب عامة مشتركة تقف وراء هذه الظاهرة؛ أهمها:

اضطراب الأسرة: فإذا نشأ الطفل في بيئة أسرية مضطربة ممتلئة بالمشكلات، يتسلط فيها أحد الأبوين على الآخر؛ فإنه -لا شك- سينشأ منطويا أو عدوانيا تجاه الآخرين، وهو في الحالتين لن يعتد إلا برأيه، ولن يثق بغيره(7).

قلة العلم: فكلما ازداد الإنسان علما أدرك أنه يجهل أكثر مما يعلم، وأنه لا يلم إلا بطرف من الحقيقة وغابت عنه أشياء، وأن ما يظنه صوابا محضا قد يكون هو الخطأ المحض! أو على الأقل قد يكون أحد أوجه الصواب. حينئذ لا يسعه إلا أن يتبع منهج الإمام الشافعي القائل: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».

وإن الدارس لتاريخ الحركات التي انجرفت إلى هوة التعصب، واتخذت العنف طريقا، ليجد أنها قامت على أناس قليلي العلم، وأخذوا عن الكتب أكثر من العلماء؛ فأورثتهم قلة العلم، والطريقة الخاطئة في التلقي، فهما سقيما حسبوه الحقيقة المطلقة.

لكن المنهج الصحيح يقتضي أن ندور مع الدليل أينما دار، ونبحث عن الحق ولو لم يوافق هوانا، ونأخذ به ولو جاء ممن خالفنا في المذهب.. وندرك أن محكمات الشرع وقطعياته التي لا يجوز الخلاف بشأنها قليلة جدا، وأن ما دون ذلك كثير، والباب فيه مفتوح لتعدد الآراء والاجتهاد المنضبط؛ وهنا تكون القاعدة أنه «لا إنكار في المختلف فيه».

غياب الحريات: إن كلمة ابن خلدون الجامعة: «الظلم مؤذن بخراب العمران»، تلخص الآثار الكارثية التي تنتج عن بيئة القهر والتسلط، وعن غياب الحريات، وانعدام الأفق السياسي الذي يسمح بالتعددية والحوار، وانطلاق المواهب والأفكار من عقال الخوف والريبة.

وحين يجهر الفرعون بـ { مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى} (غافر:29)، فإنه لن يقابل إلا بردة فعل في الاتجاه المضاد؛ لا تعترف بالحوار، ولا تؤمن بجدوى الأفكار، ولا ترى إلا ذاتها.. وهل ثمة بيئة لتفريخ التعصب والغلو أفضل من هذه؟!

الانغلاق على الذات: إن من سنن الله الثابتة، أنه لم يخلق الناس على نمط واحد، بل قرر فيهم «سنة الاختلاف» في الألسنة والألوان والأعراق، بل حتى في الشرائع والمذاهب، قال سبحانه:

{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ } (الروم:22). وقال سبحانه أيضا:

{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ  } (هود:118 و119).

لكن المنغلق على ذاته لا يرى إلا نفسه، ولا يسمع إلا صوته، ولا يعترف بحق الآخرين في الاختلاف والاجتهاد، بل ربما لم ير لهم حقا في الحياة أصلا! وهذه الرؤية الأحادية مخالفة لسنة الله في الكون، ومن شأنها أن تجعل صاحبها يستهين بحقوق الآخرين، ويستخف بحرماتهم.

شيء من التسامح

في مقابل ظاهرة التعصب والغلو، التي لها آثارها المفسدة للدين والدنيا، تبدو أهمية قيمة التسامح كإحدى القيم الضرورية التي لا غنى عنها لمن ينشد مجتمعا متماسكا، ويبتغي تدينا صحيحا يتساوق مع الفطر السليمة والعقول المستقيمة.

والتسامح كقيمة فكرية وموقف عملي يقتضي أن نؤكد عدة أمور:

< إن كل إنسان -فيما دون العقائد؛ إذ الدين عند الله الإسلام- يملك طرفا من الحقيقة، مثلما أن العلم لا يعرف الكلمة النهائية؛ فهناك دائما ما يدعو إلى التغير والتطور، وتجربة الإمام الشافعي في مذهبه الجديد بعد القديم، خير شاهد؛ وما قرره الفقهاء من أن الفتوى -لا الحكم- تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، يساند هذا ويعضده.

< التسامح يعني بالضرورة وجود من يخالفنا؛ وإلا فلا معنى للإشارة إلى التسامح والتأكيد عليه لو أن ثمة إجماعا على رأي واحد!

< التسامح مع المخالف لا يعني الرضا بما يقول به، ولا التنازل عن قناعاتنا الذاتية؛ بل يعني فقط السماح بوجوده والإقرار بحقوقه.

< إذا كانت إرادة الله سبحانه قاضية باختلاف الناس وتنوعهم، فلا راد لذلك؛ ومهمتنا أن ننقل هذا الاختلاف من دائرة الصراع والمواجهة إلى دائرة التدافع والتكامل.

< علينا أن نحذر من دعوات التسامح التي توجه بطريقة ملتوية بغرض أن ينصرف أهل الحق عن التمسك بحقهم ويرضوا بما وقع من ظلم؛ فهذه الدعوات تفقد قيمتها الأخلاقية إذا أريد لها أن تكون ستارا لتسويغ الظلم وتبرير الاستسلام.

< ينبغي أن تقدم النظم السياسية نموذجا للتسامح من نفسها أولا؛ فالناس على دين ملوكهم، والشعوب تربى وتعلم؛ وإذا كان المجتمع بفئاته مطالبا بإشاعة التسامح وجعله قيمة راسخة في الحياة بمختلف اتجاهاتها، فإن من بيدهم الأمر والنهي يصبحون أكثر مسؤولية في تحقيق تلك القيمة المهمة، التي هي -بلا شك- لازمة لعمارة الدنيا واستقامة الدين.

الهوامش :

(1) مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، ص: 465، مكتبة الشروق الدولية، ط4، 2008م.

(2) مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الفلسفي، ص: 44، المطابع الأميرية، من دون رقم الطبعة، 1983م.

(3) ابن منظور لسان العرب، مادة (عصب)، ص: 4/2963، تحقيق: عبد الله علي الكبير، محمد أحمد حسب الله، هاشم محمد الشاذلي، دار المعارف، من دون رقم الطبعة وتاريخ النشر.

(4) مجمع اللغة العربية، المعجم الفلسفي، ص: 49.

(5) جميل صليبا، المعجم الفلسفي 1/306، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982م، من دون رقم الطبعة.

(6) الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن 472/473، مكتبة نزار مصطفى الباز، من دون تاريخ.

(7) ذكر د. طارق حجي في كتابه «تجربتي مع الماركسية»- الفصل الأول: الماركسية والماركسيون والأخلاق- أن الجماعات اليسارية المتطرفة كان يلاحظ انحدار شبابها من أسر مضطربة، وأنهم يعانون انحرافات نفسية وأخلاقية جعلتهم حانقين على المجتمع. كما ذكر أن هذا كان رأي الأستاذ عباس محمود العقاد أيضا.

2000200

د. إبراهيم الهدهد: المشكلة تبدأ من البيت والمدرسة.. ومنهما أيضا يبدأ الحل

د. هاشم بحري: عودة التنشئة الأسرية واحترام آدمية المواطن أولى خطوات العلاج

خبيرة إتيكيت: ضغوط الحياة والتفريط في الدين أفرزا هذه السلبيات

خبيرة اجتماعية: لابد من تربية النشء على السلوكيات القويمة واحترام الآخرين

إسلام لطفي ومحمد عبدالعزيز:

    تموج مجتمعاتنا الإسلامية اليوم بالعديد من السلوكيات السلبية، التي لا تمت إلى قيم دين الرحمة والتكافل والاحترام والنظافة والأخلاق الحميدة بصلة. ولا تبدأ هذه السلوكيات المرفوضة من علو الصوت والشجار في الطرقات والبصق فيها وحشوها بالنفايات، مرورا بالتحرش والتطاول وانتهاك الحرمات، والتنابز بالألفاظ والألقاب، وعدم الالتزام بآداب المرور والجيرة، وصولا إلى التخلي عن احترام الكبير وتوقيره، وفقدان المعلم هيبته وتطاول التلاميذ عليه، وكذا السخرية من علماء الدين وغياب توقيرهم.. كلها من السلوكيات المرفوضة التي جاء الإسلام بضدها.. سألنا عددا من العلماء عن هذه السلوكيات وكيفية علاجها، فإلى ما قالوا:

نبدأ مع دراسة لاستشارية الطب النفسي د. رضوى سعيد، أكدت أن السبب الرئيسي في تدهور السلوكيات المجتمعية هو المشكلات التي تتفاقم داخل المجتمع، لافتة إلى أن هناك علاقة بين المشاكل المجتمعية وسلوكيات الأفراد، فكلما ازدادت هذه المشكلات تدنت سلوكيات الأفراد.

وأوضحت أن الجهل والازدحام والتكدس السكاني والضوضاء تعد عوامل تقلل من قدرة الجهاز العصبي على التحمل، وبالتالي ينفعل الشخص، ثم يتجاوز، ومن هنا يظهر سوء سلوكياته. لذلك، نجد أن سلوكيات الأشخاص الذين يعيشون في الأماكن التي تمتاز بالطبيعة النظيفة والأقل ازدحاما تكون أفضل من سلوكيات من يقيمون في بيئة غير صحية.

حلقة مترابطة

بينما أشار تقرير للجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، إلى أن هناك ظواهر غريبة طارئة على المجتمع المصري أصبحت في تنام وازدياد، ويجب على الدولة والمجتمع أخذ زمام المبادرة بمواجهتها. وأكد التقرير أنه إذا لم تتم مواجهة هذه السلوكيات فإنها سوف تنتشر كما النار في الهشيم، وهي سلوكيات مشينة ترقى إلى مستوى الجرائم مثل «التحرش، هتك العرض، زنا المحارم، الاغتصاب».

وطالب التقرير بضرورة مواجهة هذه السلوكيات بحسم وعدم دفن الرؤوس في الرمال، مشيرا إلى العديد من المظاهر السلبية الأخرى، مثل حالة الفوضى التي يمر بها الشارع، وانتشار البطالة والمخدرات والموبايلات الصينية الرخيصة الثمن، التي أصبحت وسيلة في أيدي المراهقين يتداولون من خلالها مقاطع الفيديوهات الجنسية المقززة، والتي تشكل جميعها حلقة مترابطة من السلوكيات السلبية التي ينبغي التصدي لها.

ابتزاز تكنولوجي

كما رصد تقرير آخر لمركز تنمية مهارات المرأة أبرز السلبيات التي جدت على المجتمع، وذكر منها مساوئ استخدام التكنولوجيا بطريقة خاطئة تسيء إلى الآخرين وتقتحم خصوصيتهم أو تمارس ضدهم الابتزاز. كما تطرق إلى سلبيات اجتماعية تتكرر يوميا، مثل إلقاء المخلفات والقمامة المنزلية من شرفات المنازل وأبواب السيارات في الشارع، أو وضع هذه المخلفات في أوعية أمام الشقق السكنية من دون غطاء، وإلقاء بقايا الطعام وقشور الفاكهة من وسائل المواصلات المختلفة أثناء السير، إضافة إلى التدخين داخل وسائل النقل والمواصلات وفي الأماكن العامة.

الأسرة هي الأساس

إلى ذلك، أكد نائب رئيس جامعة الأزهر د. إبراهيم الهدهد، أن رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  كما صح في الحديث الشريف عن أبي سعيد الخدري عن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  قال: «إياكم والجلوس في الطرقات». قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها. قال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه». قالوا: وما حقه؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». فإعطاء الطريق حقه من آداب الذوق العام التي يجب أن يكون المسلمون عليها في تصرفهم في الملتقيات العامة والشوارع.

وأضاف: كف الأذى هنا مبدأ عام.. المراد منه كف الأذى قولا وفعلا، والذي يحدث الآن في الطرقات أمور تقشعر لها الأبدان، حيث يكثر فيها الأذى بالقول أو الفعل، فنرى كثيرا انتهاك الآداب العامة والاعتداء على الذوق العام، فيستغل الإنسان ما أمام بيته أو متجره مما لا يحل له من حق لعامة المسلمين في الشوارع، ويضيق عليهم الطرقات.

وتابع: الأمر الآخر من الذوق العام أيضا المنافي للآداب، هو عدم احترام الصغير للكبير في أثناء جلوسه على قارعة الطريق، سواء كان جالسا أو قائما، حيث مرور الإناث أو الذكور، فليس هناك غض للبصر أو عفة في اللسان، ولا مراعاة لحق الكبير.. مع أن شريعة الإسلام في ذلك واضحة، حيث صح عن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  في حديث عبدالله بن عمرو: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا»، وفي الحديث الذي صححه الألباني: «ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه»؛ فهذه أمور وسلبيات كثيرة جدا في المجتمع المسلم ما كان ينبغي أن يأتيها أحد من المسلمين، فمثلا صار من الأمور المعتادة جدا في الطرقات أن يمر كبار السن بينما الصغار من الشباب والغلمان يضعون قدما على أخرى ويتلفظون بألفاظ قبيحة، مع مد أرجلهم في الشارع بحيث لا يستطيع الشيخ الطاعن المرور في الطريق، وإذا استنكر الشيخ الأمر ناله شيء من الألفاظ القبيحة.. كل هذا يعتبر من الأمور التي تعد اعتداء على الذوق العام ولا يرضاها الإسلام.

وأكد أن الأمثلة كثيرة، فمن حفر حفرة أمام بيته ولم يقم بردمها وإصلاح الطريق كما كان، وترتب على ذلك أن يصاب أحد من المارة بسوء، فعليه ذنب وعقاب حسب الواقعة التي تحدث، فمعالم الشريعة واضحة في هذا الأمر. كذلك من المخالفة للذوق العام كسر قواعد المرور، لأنها من الأمور التي تنظم العلاقات في الشارع بين الأفراد والسيارات، فأي مخالفة من هذا القبيل هي مخالفة لشرع الله، وإن القانون يأتي لمصالح الناس كافة، فالناس جميعا في الحق سواء. ونرى كثيرا من المشاجرات التي تحدث، والتكدس جراء ذلك، وهو سوء سلوك من الأفراد، وعدم احترام الذوق العام.

وعن إلقاء القمامة في الشارع، أكد الهدهد أن الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  قال: «طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها»، والأمر ينطبق على الشارع أيضا، فالنظافة من الإيمان، ومعنى هذا أن الإسلام يربط النظافة بالإيمان؛ أيضا النبي  " صلى الله عليه وسلم"  علمنا أن من رفع شوكا أو عظما أو ما إلى ذلك من الطريق يعد بمنزلة صدقة فقال  " صلى الله عليه وسلم" : «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان». فالإسلام يدفعنا إلى أن ننظف شوارعنا، وكل الممتلكات العامة التي يستخدمها المواطنون.

وأشار إلى أن المصطفى  " صلى الله عليه وسلم" ، تحدث عن أن الإيمان يأمر بالنظافة، وأنه لابد من غسل اليدين، مع وضع اليدين على الفم عند التثاؤب أو العطس.. وكل ذلك المقصود منه في الإسلام عدم إيذاء الآخر، فكل ما فيه إيذاء للآخر وخدش لمشاعره هو من المنهي عنه شرعا، مما هو قائم الآن وما قد يستجد حتى قيام الساعة، لأن هناك أناسا يعانون من حساسية من هذه التصرفات، فربما لو رأى أحدا يبصق أو يدخن في الشارع ترتب عليه أذى، حتى في الصلاة، وكذا عادة التجشؤ التي تؤذي الآخرين، فقد ورد عن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  أنه قال لرجل تجشأ: «كف عنا جشاءك، فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة».

وعن الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه السلوكيات السلبية في المجتمعات المسلمة، قال الهدهد: الأسباب ترجع إلى التنشئة، لأن البيت هو الأساس في هذا الأمر، وترجع بعد ذلك إلى المدارس التي يتعلم فيها النشء الصغار، فنحن في بيوتنا لا ننتبه إلى الآداب العامة، مع أن الإسلام يأخذ بيد الإنسان ويعلمه كل شيء، فالنبي  " صلى الله عليه وسلم"  علم الأمة في أحاديث صحيحة كل شيء، حتى دخول الحمام والخروج منه، فالإسلام لم يترك هذه الآداب العامة، إنما فصلها تفصيلا، وعندنا في تراث المسلمين كتب في آداب السفرة والطعام، مع نصوص واضحة من الإسلام تعلم النشء هذا السلوك القويم العالي المستوى، الذي يرفع وضع الإنسان أمام الآخرين، إلا أن البيوت شغلتها شواغل أخرى كثيرة، وأصبح هم كل واحد أن يشتغل بلقمة العيش ثم لا يشتغل بتنشئة من يطعمه، فيكون ذلك الفساد الأعظم.

وعن العلاج، قال: يبدأ من البيوت والمدارس، ولابد من أن تكون لدينا مقررات دراسية للآداب العامة في مراحل التعليم المختلفة، خصوصا في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وأن توضع الآداب المناسبة لكل مرحلة عمرية؛ فنحن نفتقد الآداب التي يجب أن يتحلى بها الأبناء مع آبائهم، لأن الآباء أنفسهم افتقدوا الآداب المفروض أن يعلموها هم لأبنائهم، فذلك الأمر تعاوني، ولابد من أن يكون هناك تعاون بين الأسرة، مع وجود برامج توعية، وأن يكون هذا اتجاها عاما للدول الإسلامية، لأن التنشئة إذا كانت صحيحة تتحلى بالآداب العامة فكل ذلك يعود بالخير الوفير جدا على المجتمع. نحن الآن نرى الطفل في الشارع يمسك بزجاجة ويضربها في الحائط ويملأ أرض الشارع بالزجاج المكسور، مما يترتب عليه إيذاء الآخرين، فترسيخ الآداب العامة يعود بالخير على المجتمع والدولة والأسرة، لكن الناس لا يفطنون إلى هذا ويفطنون إلى كل شيء يحتاج إليه أبناؤهم من الناحية المادية فقط.

ولفت إلى أن هناك تأثيرات عدة على المجتمع، فبناء الأسرة أصبح متهالكا، وكثر العقوق، وتفكك الأسر، وتقطعت الأرحام. والتأثير الثاني هو على الدولة، فأصبحت الدول تتكلف كثيرا جدا بسبب تنظيف شوارعها. والتأثير الثالث على الفرد نفسه، لأنه يصبح بلا وعي لهذه الآداب، مما يجعله فردا مفسدا في المجتمع.

حياة آدمية

من جانبه، أوضح رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر د. هاشم بحري، أنه لابد من عودة دور الأسرة في تنشئة أبنائها على سلوكيات مستمدة من الدين، وكذا ضرورة إصلاح التعليم، لأنه يعطي للإنسان ثقة في نفسه، واحتراما لذاته، حتى لا يدخل في مرحلة الانهيار. علاوة على أن تتحمل الدولة مسؤولياتها في توفير فرص العمل، وتهيئة البيئة المعيشية المناسبة التي توفر القدر المناسب من الحياة الآدمية لمواطنيها.

وأكد أن العنف من أبرز الممارسات السلبية الدخيلة على المجتمعات العربية، وهو نوع من تصريف الغضب، ويأتي على شكلين: إما الاعتداء على الآخرين وهو ما نراه في العنف في الشوارع أو التحرش، أو الاعتداء على النفس كما في حالات الإدمان. والحل يكمن في احترام النفس والشعور بقيمتها، فلو شعر الإنسان بقيمته لا يمكن له أن يعتدي على الآخرين أو على نفسه.

وأشار إلى أهمية مبدأ الثواب والعقاب للحد من هذه الظاهرة، وضرورة أن يبادر المجتمع إلى علاجها منذ الصغر.

أساسيات الفطرة

أما خبيرة الإتيكيت وفن التعامل ماجي الحكيم فقالت: كان المجتمع الشرقي يمتاز بصفات أصيلة، مثل الشهامة واحترام الصغير للكبير، لكن مؤخرا تراجعت هذه القيم نتيجة ضغوط الحياة، فتخلت الأسرة عن التربية في ظل انشغالها بالعمل، وبالتالي نشأت الأجيال خالية من أساسيات الذوق على الرغم من أنها من أساسيات دين الفطرة الإسلام.

وأضافت: الأصل في الإتيكيت هو التعليم الإسلامي، ونحن بطبيعتنا شعوب متدينة، وإذا لم يتعلم المسلم أساسيات دينه، مثل النظافة والحفاظ على الغير وخصوصياتهم وغض البصر، فلن يكون لديه أي صفة من أصول الإتيكيت. فالإشكالية الآن أن الناس ابتعدوا عن دينهم، ونحن في حاجة إلى العودة إلى أصولنا أكثر من التعلم، ويجب علينا أن نعامل الآخرين كما نحب أن يعاملونا.

ثواب وعقاب

بينما ترى الخبيرة في المركز القومي المصري للبحوث الجنائية والاجتماعية د. سوسن فايد، أن المسألة تعود إلى عوامل كثيرة، أهمها في الأساس التربية والتعليم من خلال الأسرة أولا، ثم من خلال المؤسسات التعليمية، حيث إنه في التنشئة يجب تعويد الطفل وتعليمه الطرق الصحيحة للتعامل مع الآخرين.

وأضافت: الثقافة العامة والضوابط واللوائح التي نضعها في المرور والنظافة والتعاملات على أي مستوى من المؤسسات، لابد من وجود قواعد ولوائح، وأن يكون هناك ثواب وعقاب، لكن في حالة عدم ضبطها تكون الفوضى، مثل ما نمر به الآن، لأنه لا يوجد ثواب وعقاب ومثل أعلى.

وشددت على أنه لابد من وجود هدف مشترك لدى جميع المؤسسات لمناقشة القواعد والضوابط التي تخلق المناسب للالتزام والابتعاد عن المظاهر السلبية. ومعظم الناس يريدون أن يكونوا صورة من المجتمعات المنظمة، لكن غياب المسؤولية والرقابة والمحاسبة تسبب في الوضع السيئ الذي نشهده.

 وعن أبرز المظاهر السلبية التي تثير استياءها، قالت إنها تكمن في الشوارع المكدسة بالسيارات وكأنها أصبحت «جراج»، فهناك بعض من يمتلكون سيارات لكنهم لا يستخدمونها، مما يحدث أزمة مرورية، علاوة على أن عدم إعطاء الطريق حقه من مظاهر الفوضى، كما طالبت النساء بأن يلتزمن بالزي الإسلامي، مؤكدة أن هناك أزمة ثقة متبادلة بين الذكور والإناث، ولكي يكون الالتزام كاملا علينا فهم الدين بحق.

20 01

القاهرة – الوعي الشبابي:

يذكر عن جابر بن عبدالله أنه قال: رأى عمر بن الخطاب لحمًا معلقًا في يدي فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت اشتهيت لحمًا فاشتريته. فقال عمر: أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر؟! ما تخاف الآية "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا".

300311121112

د. علي عفيفي :

الحضارة (Civilization) في اللغة تعني الإقامة في الحضر، والحضارة ضد البادية، ولهذا فقد تعددت تعريفات الحضارة وتنوعت تبعًا لذلك دلالاتها بتنوع تعريفاتها، فرأى بعض الباحثين أنها مدى ما وصلت إليه أمة من الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي من عمران وعلوم وفنون وما إلى ذلك، وهذا يعني أن الحضارة حسب هذا التعريف تختص بالجانب المادي فقط. وعرفها آخرون بأنها المظاهر الفكرية التي تسود أي مجتمع، وهذا يعني أن الحضارة مرادفة للثقافة ومقتصرة على الجانب الفكري أو المعنوي فقط.

وعلى هذا يمكننا أن نعرف الحضارة الإسلامية (The Islamic Civilization) بأنها: ما قدمه المجتمع الإسلامي (social Islamic) للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية، وما يخدم المجتمع الإنساني من الوسائل والأسباب التي تمنحه سعادة التعاون والإخاء، والأمن والطمأنينة والرخاء، وتمنحه سيادة النظام والعدل والحق، وانتشار الخير والفضائل الجماعية، ويدخل في هذا أنواع التقدم الاجتماعي الشامل للنظم الإدارية، والحقوقية، والمادية، والأخلاق والتقاليد، والقيم، والعادات، وسائر طرق معاملة الناس بعضهم بعضًا في علاقاتهم المختلفة، وكل أنواع العلوم والثقافات.

فتعاليم الدين الإسلامي عالمية لأنها تُعد الإنسان لمستقبل خالد، فالاعتقاد بإله واحد، يقود إلى إذابة كل مبدأ عرقي، أو شعور قومي، من أجل ذلك كانت رسالة الحضارة الإسلامية يشترك في تحقيقها العملي وبنائها التطبيقي كل من استجاب لها من كل عرق ولون ولغة. ولهذا جدير بكل مسلم أن يفخر بتاج المجد الذي صنعه بناة الحضارة الصادقون من المسلمين في كل بلد من بلاد الإسلام، في سالف العصور الإسلامية التي استجابت للإسلام، وأحسنت تطبيق تعاليمه، فإذا كانت الحضارة الإسلامية عالمية وإنسانية فإن مقتضى ذلك أن تكون صالحة للتطبيق في كل البيئات الإنسانية، وأن تكون كذلك صالحة على مر الأزمان باعتبارها رسالة السماء الخاتمة لكل الرسالات.

ولما كانت رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية، وكان الرسول  "صلى الله عليه وسلم"  خاتم الرسل، فمن الضروري أن تكون الحضارة القائمة على هذه الرسالة حضارة متطورة، تستطيع أن تسع كل تطورات الحياة الإنسانية؛ وتحقق ما يخدم المجتمع الإنساني (Social Humanities) ، بحيث تواجه ما يجدّ في حياة البشر من تطورات في شتى المجالات، ولا تقف جامدة أمام متغيرات الحياة البشرية في واقعها الفردي والاجتماعي، ولذلك أقامت أساس تشريعاتها، وقوانينها، وآدابها على أصلين ثابتين هما: الكتاب والسنة، فنرى المبادئ والأصول الكلية جميعها تعود إليهما.

لقد اعتنى المسلمون بالعلوم الطبيعية؛ حيث قاموا بترجمة المؤلفات اليونانية، ولكنهم لم يكتفوا بنقلها، بل توسعوا فيها، وأضافوا إليها إضافات هامة؛ تعتبر أساس البحث العلمي الحديث، وقد قويت عندهم الملاحظة، وحب التجربة، فأضاف الأطباء المسلمون إلى ما ترجموه وورثوه عن اليونان وغيرهم، فألفوا وابتكروا منجزات جديدة من أهمها: اعتمادهم المشاهدة والتجربة، وتجريبهم المنهج التجريبي، والتشخيص، والنظر إلى تاريخ المريض الطبي، وانتباههم للعدوى، والأمراض المعدية، وبراعتهم في علم الجراحة والتشريح، واكتشافهم الدورة الدموية الصغرى.

ولهذا فقد اتفق الباحثون المنصفون على أن الحضارة الإسلامية كانت لها آثار بالغة في الحضارة الغربية، تتمثل في: تأثير مبادئ الحضارة الإسلامية تأثيرًا كبيرًا في حركات الإصلاح الدينية التي قامت في أوروبا منذ القرن السابع الميلادي حتى عصر النهضة الحديثة، فالإسلام الذي أعلن وحدانية الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وتنزيهه عن التجسيم والتشبيه والتعطيل، كما أعلن استقلال الإنسان في عبادته وصلته مع الله وفهمه لشرائعه دون وساطة مخلوق أيًا كانت منزلته، كان عاملاً كبيرًا في تفتيح أذهان شعوب أوروبا إلى هذه المبادئ السامية والتأثر بها مع فتوحات الإسلام في الشرق والغرب، إذ قام في القرن السابع الميلادي في الأوروبيين من ينكر عبادة الصور، ثم قام بعدهم من ينكر الوساطة بين الله وعباده، ويدعو إلى الاستقلال في فهم الكتب المقدسة بعيدًا عن سلطان رجال الدين ومراقبتهم، ويؤكد كثير من الباحثين أن «لوثر» في حركته الإصلاحية كان متأثرًا بما قرأه عن العلماء المسلمين من آراء في العقيدة والوحي، وقد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب العلماء المسلمين التي ترجمت إلى اللاتينية.

ولم يقتصر أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية (European Civilization) على العقيدة والدين والعلوم التطبيقية واللغة، بل تعداه ليشمل مجال التشريع، حيث كان لاتصال الطلاب الأوروبيين بالمدارس والجامعات الإسلامية في الأندلس وغيرها أثر كبير في نقل مجموعة من الأفكار الفقهية والتشريعية إلى لغاتهم، ففي عهد نابليون في مصر ترجم أشهر كتب الفقه المالكي إلى اللغة الفرنسية، ومن أوائل هذه الكتب «كتاب الخليل» الذي كان نواة للقانون المدني الفرنسي، وقد جاء متشابهًا إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي.

في الفترة الذهبية من تاريخ الإسلام، أنشئت المدارس والجامعات في مختلف البلاد الإسلامية شرقًا وغربًا، وكثرت المكتبات وامتلأت بالمؤلفات في شتى العلوم من طب ورياضيات وكيمياء وجغرافيا وفلك، اجتذبت هذه المدارس والجامعات والمكتبات الباحثين الأوروبيين عن المعرفة، وكانوا شديدي الإعجاب والشغف بكل ما يدرسون ويقرأون من هذه العلوم في جو من الحرية لا يعرفون له مثيلاً في بلادهم، ففي الوقت الذي كان علماء المسلمين يتحدثون في حلقاتهم العلمية ومؤلفاتهم عن دوران الأرض وكرويتها وحركات الأفلاك والأجرام السماوية، كانت عقول الأوروبيين تمتلئ بالخرافات والأوهام عن هذه الحقائق كلها، ومن ثم ابتدأت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية، وغدت كتب علماء المسلمين تدرس في الجامعات الأوروبية.

وكذلك تأثر الأوروبيون وخاصة شعراء الأسبان بالأدب العربي تأثرًا كبيرًا، فقد دخل أدب الفروسية والحماسة والمجاز والتخيلات الراقية إلى الآداب الأوروبية عن طريق الأدب العربي في الأندلس على الخصوص.

من هنا يتبين أن الحضارة الإسلامية تمثل حلقة مهمة في سلسلة الحضارة الإنسانية (Civilization Humanities) التي لا يمكن بناؤها بعيدًا عن أسس ومبادئ تلك الحضارة المجيدة، فقد أسهمت في وضع أساس الحضارات الحديثة (Modern civilization) بنصيب موفور، وأن فضلها عليها واضح غير منكور، وفي الحق، إن الحضارة الإسلامية قد أحدثت ثورة علمية عَمَّ خيرها العالم الإنساني كله، وقد اعترف بذلك كثير من المفكرين المنصفين الأوروبيين.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي يقدمها الدكتور خالد حربي ليتناول علوم الحضارة الإسلامية ودورها في الحضارة الإنسانية، من خلال محاولة الإجابة على مجموعة من التساؤلات التي طرحها في مقدمته وتتمثل في:

هل شهد المجتمع العلمي الإسلامي اهتمامًا بالعلوم إبان ازدهار حضارته؟ وما طبيعة هذه العلوم؟ وكيف تعامل العلماء مع تلك العلوم التي انتقل معظمها من الأمم الأخرى؟ وهل ابتكروا علومًا جديدة لم يكن لها وجود لدى أسلافهم؟ وهل قدم العلماء العرب والمسلمون إضافات أصلية في العلوم التي بحثوا فيها عملت على تطورها وتقدمها وأثرت في الحضارة اللاحقة وفي بقية الإنسانية عمومًا؟ أسئلة منهجية وجوهرية يحاول المؤلف الإجابة عليها من خلال عشرة فصول تناولت علوم الرياضيات، والفلك، والجغرافيا، والكيمياء، والطب، والطب النفسي، والميكانيكا، والهيدروليات، والتكنولوجيا، والبصريات، وعلم الطفيليات والأحياء المجهرية. 

ففي الفصل الأول الخاص بالخوارزمي كمدرسة رياضياتية أفادت الإنسانية بين الدكتور حربي كيف بدأ تكوين الخوارزمي العلمي، ومدى أثر هذا التكوين في إنجازاته العلمية، ثم وقف بصورة موجزة على التطور العلمي والتاريخي للرياضيات حتى عصر الخوارزمي، وذلك بغرض معرفة أبعاد الإنجاز الذي تم على يديه باعتباره أهم علماء الرياضيات في القرن الثالث الهجري، وقاد ذلك إلى التعرف على أبعاد إنجازات علماء المسلمين خلال عصر الخوارزمي، لكي نقف على مدى تأثر هؤلاء العلماء بالخوارزمي، واتضح أن تأثير الخوارزمي لم يمتد إلى علماء الرياضيات المسلمين في العصور اللاحقة فقط، بل امتد إلى العالم الغربي إلى الدرجة التي جعلت العلماء الأوروبيين يعترفون بأن الخوارزمي هو المسؤول بصورة أساسية عن تأسيس علم الجبر، وجاءت معرفة الغرب لكتاب الجبر والمقابلة عن طريق الترجمات اللاتينية التي وضعت له، فلقد ترجمه جيرارد الكريموني، وروبرت الشستري في القرن الثاني عشر الميلادي، ليصبح أساس لدراسات كبار علماء الرياضيات الغربيين.

ثم خصص الفصل الثاني للرياضيات بعد الخوارزمي حيث تحدث عن ستة علماء رياضيات أتوا من بعده وهم أبوكامل، ثابت بن قرة، الكوهي، أبوالوفاء البوزجاني، عمر الخيام، الكاشي، وبينت الدراسة كيف أن الحضارة الإنسانية لم تتوقف على الإفادة من الحضارة الإسلامية في الرياضيات على الخوارزمي فحسب، بل اعتبر علماء الغرب ثابت بن قرة أعظم هندسي على الإطلاق، ثم كيف استخرج أبي سهل الكوهي حلولاً للفروض التي عجز أرشميدس عن إثباتها، وكيف اعترف علماء الغرب بأن أبا الوفاء البوزجاني هو أول من وضع النسبية المثلثية، وأوجد طريقة لحساب جداول الجيب، ليؤسس ويضع بذلك الأركان التي قام عليها علم حساب المثلثات الحديث، ثم كيف توصل عمر الخيام لحلول معادلات الدرجة الثالثة ليعد في نظر علماء الغرب أول من أبدع فكرة التصنيف، ثم اتفاقهم على أن غياث الدين الكاشي هو الذي ابتكر الكسر العشري، كما وضع قانونًا خاصًا بتحديد قياس أحد أضلاع المثلث انطلاقًا من قياس ضلعيه الآخرين، وقياس الزاوية المقابلة له، وقانون خاص بمجموع الأعداد الطبيعية أو المتسلسلة العددية المرفوعة إلى القوة الرابعة، وهو قانون لا يمكن التوصل إليه إلا من شخصية تمتلك مميزات عقلية وعلمية خاصة.

وفي الفصل الثالث الذي خصصه المؤلف لعلم الفلك تناول أهم أعلام الفلك الإسلامي وأثرهم في الحضارة الإنسانية، ومنهم: الفزاري، وأبو معشر البلخي، الفرغاني، إبراهيم بن سنان، البتاني، نصير الدين الطوسي، فبين كيف أفادت الإنسانية منهم ومن علمهم، فأوضح كيف أفاد الطوسي الإنسانية باهتمامه بالهندسة اللاإقليديسية الفوقية، تلك التي تلعب دورًا حاليًا في تفسير النظرية النسبية، كما أنه برهن بكل جدارة على المصادرة الخامسة من مصادرات إقليدس، وبذلك يكون الطوسي قد وضع أساس الهندسة اللاإقليديسية الحديثة، والتي تقترن بأسماء علماء غربيين.

وأوضحت الدراسة كيف اهتم المسلمون بالفلك كعلم ينظر في حركات الكواكب الثابتة والمتحركة والمتحيزة، ويستدل من تلك الحركات على أشكال وأوضاع الأفلاك التي لزمت عنها هذه الحركات المحسوبة بطرق هندسية، وبنى علماء الفلك المراصد الفلكية، ووضعوا آلات الرصد، التي كانت تصنع بمدينة حران في العصر العباسي، ثم انتشرت صناعتها في جميع أنحاء الخلافة العباسية منذ زمن المأمون، وعكف علماء الفلك في المراصد على الدراسة والرصد والتأليف، فجاءوا بآراء ونظريات أصلية عبرت بحق عن روح الإسلام وحضارته، وأفادت منها الإنسانية جمعاء.

وجاء الفصل الرابع ليوضح أثر علماء الجغرافيا الإسلاميين في نهوض علم الجغرافيا فبين كيف أدت الفتوح الإسلامية إلى زيادة اهتمام الخلفاء بعلم الجغرافيا لمعرفة حدود خلافتهم ومدنها وقراها، والطرق المؤدية إليها، وذلك لتسهيل الاتصال والبريد بين عاصمة الخلافة المركزية وبقية أرجائها، وساعد على ذلك أيضًا انتشار ظاهرة الرحلة في طلب العلم، فضلاً عن كثرة الرحلات التجارية نتيجة للتطور الاقتصادي، كل ذلك أدى إلى التوسع في البحوث الجغرافية فنشط التأليف الجغرافي المعتمد على الدراسات الميدانية، فبرز عدد من الجغرافيين العرب أثروا في الحضارة الإنسانية، منهم: اليعقوبي، ابن خردذابة، الإصطرخي، ابن حوقل، المقدسي، البكري، الإدريسي، ابن جبير، ياقوت الحموي، القزويني، أبوالفداء، ابن بطوطة.

فقد أفاد الغرب من كتاب اليعقوبي «البلدان»، ومن كتاب «المسالك والممالك»، لابن خردذابة، والذي عد أول مصنف عربي في الجغرافيا الوصفية، ولهذا فقد أثر في الجغرافيين اللاحقين على ابن خردذابة، وامتد هذا التأثير حتى العصر الحديث، أما كتاب «المسالك والممالك»، للإصطرخي، فقد امتاز بخرائطه التي أفرد منها لكل إقليم خريطة على حده، وجاء كتاب «المسالك والممالك» لابن حوقل، ليعد من المؤلفات الجغرافية العربية التي أفادت منها الإنسانية جمعاء، وكشفت الدراسة النقاب عن أن أول معجم جغرافي عربي مرتب بحسب حروف الهجاء هو معجم «ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع»، للبكري، والكتاب فريد لا يمكن مقارنته بشيء آخر، ويمثل مرجعًا أساسيًا لمن يبحث في الجغرافيا، وامتاز كتاب الإدريسي «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» بشموله لجميع أقاليم العالم، وبما احتواه من خرائط كثيرة ودقيقة موضحة للأماكن التي يتحدث عنها، ليستخرج منه أحد العلماء الغربيين خريطة جامعة للعالم كما رسمه الإدريسي.

وفي الفصل الخامس تحدث المؤلف عن جابر بن حيان كمدرسة كيميائية أفادت الإنسانية، فتناول نشأته وأثرها على توجهه العلمي، وأوضح كيف أن الفكر اليوناني، ومدرسة الإسكندرية والثقافة الإسلامية كانت بمثابة البنية المعرفية التي انطلق منها، لكنه انتهى إلى نتائج علمية جديدة مبتكرة، فأسهم في بناء المنهج التجريبي في مقابل المنهج التأملي العقلي الذي برع فيه اليونانيون، ثم أوضح بنية مدرسته التعليمية، والمبادئ والقواعد التي رأى أنها تحكم علاقة أعضاء المدرسة وتشكل البنية الأساسية التي تقوم عليها، ثم تناول منهجه البحثي وإنجازاته ومؤلفاته العلمية وأوضح أثرها في الإنسانية، فبين أثرها في الكيميائيين اللاحقين له سواء على المستوى العربي أو الغربي، وخاصة عملياته الكيميائية كالتبخير والتقطير والترشيح والتكليس والإذابة والتبلور والتصعيد، فكان أول من استحضر حامض الكبريتيك بتقطيره من الشبة، واستخرج حامض النيتريك، وأول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استخرج نترات الفضة، وثاني أكسيد الزئبق، واستحضر كربونات الصوديوم، وكربونات الرصاص القاعدي، والزرنيخ، والكحل (كبريتيد الأنتيمون)، وغيرها من الإنجازات التي جعلت جابر بن حيان صاحب مدرسة كيميائية مميزة لها إنجازاتها العلمية الهامة التي كانت بمثابة الأسس التي عملت على تطور الكيمياء العربية فيما بعد عصر جابر، وساعدت على تأسيس وقيام علم الكيمياء الحديث، كدور للحضارة الإسلامية كحلقة من حلقات الحضارة الإنسانية في مجال علم الكيمياء.

ثم خُصص الفصل السابع لعلم الطب بعد الرازي حيث تحدث عن ستة أطباء أتوا من بعده وهم ابن الجزار، علي بن العباس، الزهراوي، ابن سينا، بنُو زهر، ابن النفيس، وبينت الدراسة كيف أن الحضارة الإنسانية لم تتوقف على الإفادة من الحضارة الإسلامية في الطب على الرازي فحسب، بل أثر علماء المسلمين اللاحقين على الرازي في الحضارة الغربية الحديثة، فكتاب «زاد المسافر» لابن الجزار ترجم إلى اللغات الأوروبية واستفاد منه الأطباء الغربيون، واشتهر كتاب «كامل الصناعة» لعلي بن العباس في اللاتينية بالكتاب الملكي، حتى ظهور كتاب «القانون» لابن سينا، وأوضحت الدراسة أن كتاب الزهراوي «التصريف لمن عجز عن التأليف» الموسوعة في عمليات ربط الشرايين، واستئصال حصى المثانة، وتفتيتها، والتهاب المفاصل، وشق القصبة الهوائية.

وبينت الدراسة أن كتاب «القانون في الطب» لابن سينا يعد من أهم موسوعات الطب العربي الإسلامي، وقد أفادت منه الحضارة الإنسانية في عمومها، ويدلنا على ذلك ترجماته الكثيرة، فقد ترجم في القرن الخامس عشر الميلادي أكثر من ستة عشر مرة، وعشرين مرة في القرن السادس عشر، وأفادت الحضارة الغربية الحديثة من إنجازات بني زُهر، كما قدم ابن النفيس اكتشافه للدورة الدموية الصغرى للعالم أجمع، ولم يتم الكشف عن هذا الاكتشاف إلا في بداية القرن العشرين.

أما الفصل الثامن، الذي جاء بعنوان «إبداع الطب النفسي العربي الإسلامي وأثره في الإنسانية»، فأوضح دور كل من: الرازي، وجبرائيل بن بختشيوع، وابن سينا، أوحد الزمان البلدي البغدادي، سكرة الحلبي، رشيد الدين أبوحليفة، في الإسهام في الطب النفسي، فتصدوا لمعالجة الأمراض النفسية وقدموا لها ما ساعد على شفائها، فكان الرازي أول طبيب فكر في معالجة المرضى الذين لا أمل في شفائهم، فعالج الأمراض التي اعتبرها سابقوه مستحيلة البرء، كالصرع والمنخوليا، كما عالج جبرائيل بن بختشيوع الفصام التشنجي، أو الفصام التصلبي، الذي يتميز سلوك صاحبه بالتيبس النفسي والجسمي، وكان ابن سينا أول من ربط وظائف الإحساسات والخيال والذاكرة بشروطها الفسيولوجية، وبهذا لم يسبقه أحد في إلقاء الضوء الساطع على علم النفس التجريبي، وعالج مرض الوعي بالذات، كما عالج الطبيب أوحد الزمان مرض الهلاوس، واستخدم الطبيب سكرة الحلبي نظرية العلاج المعقود على المريض، إلى غير ذلك من الأمراض النفسية التي اكتشفها وعالجها الأطباء العرب الإسلاميون، كان لها أكبر الأثر في قيام وتطور علم النفس الحديث.

وعند الحديث في الفصل التاسع عن علوم الميكانيكا والهيدروليات والتكنولوجيا والبصريات، تناول بنوموسى بن شاكر كجماعة علمية أفادت الإنسانية، وكنموذج للأسر العلمية التي شهدها تاريخ العالم العربي، فبين كيف استطاع الأخوة الثلاثة أبناء موسى بن شاكر أن يكونوا جماعة علمية متآزرة نبغت في كافة هذه العلوم، فوقف في سياق البحث على أهم الأعمال العلمية النظرية والتطبيقية التي قومتها الجماعة، فقدموا منظومة علمية ومعرفية هامة شغلت مكانًا رئيسيًا في تاريخ العلم بعامة، وتاريخ التكنولوجيا بخاصة، فأرانا كيف قدمت جماعة بني موسى من خلال مؤلفاتها إسهامات جليلة في العلوم التي بحثوا فيها، ومنها: نظرية ارتفاع المياه، واختراع الساعة النحاسية الدقيقة، وقياس محيط الأرض، وتأسيس علم طبقات الجو، إلى غير ذلك من الابتكارات والاختراعات التي ضمنوها كتبهم، فأسهموا في تطور العلوم التي ألفوا فيها.

ثم أوضحت الدراسة دور علماء آخرون مثل: الحسن بن الهيثم، والبيروني، والخازن، وبديع الزمان الجزري، وكمال الدين الفارسي، فبينت أن أعظم مآثر الحسن بن الهيثم تأثيرًا في العالم نظريته في الإبصار، ثم أوضحت كيف اعترف علماء الغرب بأن البيروني أول من فكر في علم الجاذبية، وليس نيوتن، وانتهت الدراسة إلى أن أبا الفتح عبدالرحمن الخازن بحث في كتابه «ميزان الحكمة» ظاهرة الضغط الجوي قبل توريتشلي بخمسمائة عام، فكان كتابه الركيزة الأساسية في قيام العلم الطبيعي الحديث، وكذلك فعل الجزري فجمع بين العلم والعمل، ولهذا حق لعلماء الغرب أن يصفوه بأعظم المهندسين في التاريخ، وفي كتابه «تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر» درس كمال الدين الفارسي كيفية انعكاس الضوء والإبصار، ومظاهر الخداع البصري، وطور نظرية قوس قزح، فسبق ببحوثه ابن الهيثم وغيره من علماء الغرب والمسلمين، كما سبق بحوث ديكارت ونيوتن بقرون طويلة.

وفي الفصل العاشر والأخير زعم المؤلف أنه يؤصل لعلم جديد من العلوم الإبداعية المهملة في الحضارة الإسلامية، ألا وهو علم الطفيليات والأحياء المجهرية، مقدمًا من المبررات ما يعزز دعوته بأن أبا بكر الرازي يعد أول عالم في العالم يتطرق لبحث ودراسة واكتشاف مرض الجدري والحصبة، والذي يدخل في صميم علم الأحياء المجهرية الحديث، وفي القانون في الطب لابن سينا ولأول مرة في تاريخ الطب يكتشف ويعترف ويصف ابن سينا مرض الجمرة الخبيثة، والطفيل المسبب لها، وما ينتج عنها من حمى أطلق عليها الحمى الفارسية، والعجيب أن المصطلح المعبر عن الجمرة الخبيثة يعبر حرفيًا عن الاسم الذي أطلقه ابن سينا على هذه الجمرة وهو «الجمرة الفحمية»، كما قدم ابن سينا وصفًا لمرض السل ولأول مرة في تاريخ الطب في كتابه القانون، كذلك عد ابن زهر أول من اكتشف جرثومة الجرب وسماها «صؤابة» وهو اكتشاف مثير يأخذ به علم الطفيليات والأحياء المجهرية إلى اليوم.

خلاصة القول: إن العمل العلمي الذي قدم في هذا الكتاب يدل بصورة قوية على أن الحضارة الإسلامية تشغل مكانًا مرموقًا بين حضارات العالم المختلفة، وذلك بفضل ما قدمته للإنسانية من علوم أفادت منها، وكانت بمثابة الأساس القوي المتين الذي قامت عليه الحضارة الغربية الحديثة، وفي النهاية قدم المؤلف توصية للباحثين لكشف أسرار معظم هذه المؤلفات التي مازالت مخطوطة، فهي تستحق أن ننفض عنها غبار السنين بالدراسة والاستيعاب والفهم والتحقيق، لعلنا نكشف عما تحتويه من كنوز مازالت فاعلة حتى اليوم، وتلك هي النتيجة النهائية التي نبهت لها الدراسة، التي تستحق القراءة والتعمق لما قدمته من نتائج جديدة على المكتبة العربية.

36332363

محمد شعبان أيوب:

لا يزال الإنسان منا تتلاطمه أمواج الحياة بشواغلها وملاهيها حتى كأنه ينسى أو يُنسيه الشيطان سبب وجوده، وغاية خلقه؛ وبينما يخلو الإنسان بنفسه بين جنبات آي القرآن الحكيم، تتكشف أمامه حقيقة نفسه، وحقيقة التاريخ البشري، ومراد الرب من العباد؛ إنك ترى في هذا القرآن الكريم ربّاً عظيمًا محيطًا قيومًا، وسع كرسيه السموات والأرض، يعلم السر وما أخفى من السرِّ، فإذا بك تتمهّل، وإذا بك تراجع نفسك مليًا، فتتذكر أخطاءك وذنوبك، وكيف تجرأت على الخالق الذي سترك يوم كذا في ساعة كذا، حينها تتيقن أن التقوى التي ذُكرت في القرآن بمشتقاتها أكثر من 170 مرة لها من المكانة ما لها.

إن كلمة التقوى كانت من المفردات القرآنية الجديدة التي لم يعتد العربُ في جاهليتهم على سماعها، مثلها مثل كلمة الهداية والنفاق وغيرها من الألفاظ الإسلامية الجديدة التي أرادت أن تؤصّل واقعًا جديدًا طاهرًا لا يتوقف عند المادة وفقط، بل يخترق النفس وأسرارها، ويبحث عن القلب، الذي هو عماد الإنسان وبصيرته وعقله ومناط هدايته، ومستودع إيمانه!

فالمتَّقون هم الموصوفون بتقوى الله عزَّ وجلَّ. وأساس التَّقوى: خشية الله. ولذلك أشار النبيّ عليه الصلاة والسلام إلى صدره، وقال ثلاث مرات: "التقوى ها هنا"[2]، فالجنة لا يدخلها إلا المتقون!

إن حقيقة التقوى فعل المأمورات واجتناب المنهيات. وأفضل ما قيل فيها، ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه حيث قال: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل والاستعداد للرحيل.

فمن فعل ذلك فقد اتقى الله حق تقاته، فالخوف من الجليل وهو الله سبحانه وتعالى، والعمل بالتنزيل وهو الكتاب والسنة، والاستعداد للرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة وذلك بالعمل الصالح، وهذا كما في قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]،  فليكن شعار المؤمن دائماً تقوى الله في السراء والضراء في حالة غيبته عن الناس وفي حالة وجوده معهم، يتق الله بترك ما حرّم الله عليه، ويفعل ما أمره الله به، ويكثر من التوبة والاستغفار عما يحصل منه من التقصير[4].

*باحث في التاريخ والتراث


[2] رواه الترمذي في صفة القيامة (2451) وقال: حسن غريب.

[4] عبد المنعم نعيمي: التقوى معيار الاحترام والمفاضلة بين الناس، مقال على موقع الألوكة.

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال