الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

76 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

11-18-2014 9-48-49 AM

د. عبد الرحمن بن محمد العمراني :

بما لا يخالفك أحد إذا قلت إن أفرادا اتهموا أو عوقبوا بسبب وشاية كاذبة من فاسق؛ فكم من أب ضرب ابنه لشكوى باطلة، وكم من معلم عاقب تلميذه لسوء ظن، وكم من عامل خالف رب العمل لسوء تقدير، وكم من مفت أفتى من غير تصور المسألة، وكم من طبيب أجرى عملية جراحية لمريض للفحص الأول من غير داع إليها، وكم من قاض قضى بالسجن على متهمين من غير تثبت، وكم من عداوة قامت بين صديقين، وكم من صلة قطعت لخبر من مشاء بنميم... إنها ردود لأفعال تصدر من الشخص بسبب التسرع في الإجابة عما ينقل إليه، وعدم التروي في الحكم، وهي أحوال تعرض لكل أحد كبير وصغير، راع ومرعي، والشارع سبحانه رسم لنا منهجا للتعامل مع الأخبار بينه في كتابه، واعتمده رسول الله(صلى الله عليه وسلم)،

أمر القرآن بالتثبت في الأخبار

 يراد بالتثبت في الأمر والرأي التأني فيه، ويكون بالمشاورة فيه، وفحصه والتثبت في الأخبار منهج ديننا الحنيف، أمر الله به المؤمنين في كتابه ليقرأوه دائماً، ويعملوا به فقال سبحانه :{يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} (الحجرات­ 6)، إن في هذه الآية بيانا لمنهج التعامل مع الأخبار، كيف نتلقاها، وكيف نتصرف عند سماعها، وفيها الأمر بالتأني وعدم التسرع بالعمل بمقتضى ما يتلقى من أخبار­ تأتي من شخص أو جهة ­ حتى يتم التأكد من صحتها، وإلا كان الندم للاستعجال في اتخاذ المواقف، وللتسرع في ردود الفعل مما يضطر معه المرء إلى الاعتذار. وقديما قالوا: «إياك وما يعتذر منه» .

 و وجب التنبيه على أن التحري في صحة خبر لا يعني بالضرورة تكذيب من نقله، وخاصة إذا كان من أهل العدالة والديانة وإنما يعني بالدرجة الأولى الاحتياط لما سيبنى عليه من مواقف سيئة بجهالة. وإن الخطاب في الآية موجه إلى المؤمنين لتنبيههم على ضرورة التبين فيما يجيئهم من أخبار، وفي ذلك أمر لهم بالتحلي بالمنهج العلمي الذي يعتمد على التحري والتثبت فيما ينقل إليهم؛ فلا يصدقوا خبراً ويعملوا بمقتضاه حتى يرد من جهات متعددة مثلاً أو يتحققوا من صحته بوسائلهم. ألا ترى أن من خدع الحروب التي تلحق الهزيمة بالعدو بث الأخبار الكاذبة حوله، وتلفيق الصور الموجهة لتشويهه، حتى إذا حققت غرضها تم إتباعها باستخدام الآلة العسكرية، ومن لم يكن محصنا بالتبين في الأمر كان فريسة سهلة لعدوه، ولا يخص التثبت مجالا دون آخر، وأيضاً لا يخص ما ينقل من أخبار أو يقرأ ولكن يعم كل ما ذكر وكل ما يخطر ببال المرء عندما يرى شيئا فيتوهم أنه شر يترقبه، فيجد نفسه يتصرف بسرعة لدفعه، حتى إذا انتهى منه ظهر له أن الأمر مخالف لما توهمه، وأنه اتبع ظنه فيندم على ما وقع منه أو العكس. والأمثلة لعدم التثبت كثيرة، فالزوج مثلا قد يبلغه خبر سيئ عن زوجته من إحدى قريباته أملاه الحسد أو الغيرة.. وكذلك الزوجة قد يبلغها عن زوجها خبر يضرها، وإذا لم يتبينا أمره أساءا الظن ببعضهما وربما افترقا بسببه، والأب قد يأمر أحد أبنائه بالقيام بعمل ولا يكون الابن قد سمع ما أمره به أبوه، أو يكون أساء فهمه، فيظن أن ابنه عصى أمره فيبادر إلى معاقبته، وهذه الصورة قد تحصل لرب العمل مع العامل عنده، وللمعلم مع تلميذه، ولكل رئيس مع مرؤوسه وكذلك القاضي قد يرى في تلكؤ أحد المتهمين في الجواب أو عدم حضوره جلسة الحكم أنه مجرم حقيقة فيقضي بعقوبته والحال أنه تلكأ لخوف انتابه، ولا صلة له بما هو متهم به، أو يكون تغيب عن جلسة الحكم لعدم معرفته بالاستدعاء..

التثبت في الأخبار منهج المحدثين في حفظ الحديث:

 بناء على الأمر الذي ورد في كتاب الله بالتثبت في تصديق الأخبار، تأسس عند المسلمين منهج للتعامل مع المرويات، وتعمقت قواعده عند علماء الحديث من أجل حفظ حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى لا يدخل فيها­ وهي دين­ ما لم يقله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ،  وقد اشتهروا بتتبع الرواة ومطالبتهم بتعيين الأشخاص الذين يروون عنهم حتى تعرف درجتهم في الرواية، ويظهر للمتلقي مدى أهليتهم للتحديث، وأيضا حتى تعرف أحوال السند وما يطرأ عليه من أعراض الانقطاع .

 وإن الدارس لجهود علماء الحديث في هذا الأمر، وللقواعد التي وضعوها لمعرفة من يروى عنه ومن لا يروى عنه يكتشف ما يكتنزه تراث المسلمين من قواعد علمية للتعامل مع الأخبار والمرويات تسهم في بناء الفكر السليم الذي يعتمد الدليل ويطالب به عند الادعاء «وما آفة الأخبار إلا رواتها» وقد ثبت عند علماء المسلمين قولهم: «إذا كنت ناقلا فالصحة أو مدعيا فالدليل» لكنا نشاهد اليوم ­ في غياب العمل بهده القواعد والغفلة عنها ­ كثيرا من التصرفات السيئة تصدر عن أشخاص لمجرد شائعة بلغتهم لم يتبينوا أمرها، وعداوات تحصل بين أشخاص أقارب لسوء تأويل أو فهم لو تأنوا واستفسروا عنه لتم تصحيحه، وكذلك مواقف عدائية تتخذ لمجرد وشاية كاذبة لو خضعت للتمحيص لظهر كذب أصحابها وسوء قصدهم، وهذه التصرفات المتسرعة والمواقف المستعجلة كما تصدر عن الأفراد تجاه بعضهم تصدر أيضا عن المؤسسات في مواجهة منافسيها.

خلاصة

 وهكذا يتضح أن تبين الأمر والتثبت منه منهج علمي أصيل، ينطق به كتاب ربنا، من شأنه أن يبني العقلية المسلمة المتفحصة الناقدة، ويكون صمام أمان تتكسر على صخرته سهام الغزو الإعلامي القاضي بإلحاق الهزيمة النفسية بالمسلمين، ويحمي المرء من تصديق كل ما ينقل إليه. إنه منهج نما وتطور مع اهتمام المسلمين بالحديث النبوي، يصلح لأن يعمم على جميع المجالات التي تعتمد في فلسفتها على تلقي الأخبار لإصدار الأحكام والقرارات بناء عليها، فهلا انتبهنا لهذا المنهج واهتممنا به دراسة وتدريسا وتطبيقا؟ وهلا استفدنا منه وعملنا به في بيوتنا مع أبنائنا وفي مجتمعنا ومع غيرنا.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال