الجمعة، 19 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

59 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

 56 621

- د.مصطفى عطية جمعة – أكاديمي وباحث:

هناك إشكالية في ترجمة الدواوين الشعرية للشاعر الكبير محمد إقبال إلى اللغة العربية، وضع يده عليها الكاتب عبدالماجد الغوري، حيث يقول في مقدمته للأعمال الكاملة بالعربية لمحمد إقبال: «نجح مترجمو هذه الدواوين من الناحية الفنية إلى حد بعيد..

 

لكن القارئ النبه الفطين قد يلاحظ أن هذه الأشعار المترجمة لا تكاد تؤثر في نفسه تأثير الشعر الرقيق، ولا تعطي صورة كاملة واضحة، ويغلب عليها رونق اللفظ على عمق المعنى، بحيث تغيب المعاني التي أرادها الشاعر في غياهب الألفاظ المنمقة والمصاريع الشعرية المركزية. وشعر محمد إقبال في اللغة الفارسية والأوردية -على السواء- شعر يركز على المعنى الواسع في عبارات موجزة، هي أشبه بالكلمات القصار التي يسهل حفظها وتداولها على الألسنة، فإذا ما ترجمنا هذا الشعر إلى شعر عربي يفضل الإيجاز على الإطناب والإسهاب، فإننا نزيد من تركيز الشعر بشيء من الغموض؛ يذهب بتأثير الشعر وروعته. ونحن لا نريد بهذا أن نغض من شأن المترجمين لهذه الدواوين» (1).

يمكن بلورة المآخذ على الترجمة التي ذكرها الغوري في تقييمه للترجمات العربية لشعرية إقبال في أبعاد متعددة، أولها: البعد الوجداني الذي يرى أثر شعر إقبال في نفوس القراء العرب، حيث يرى أن الترجمة لم تقدم شاعرية إقبال بشكل مؤثر يخلب لب المتلقي بالعربية. ثانيها: البعد الأسلوبي الذي يتجلى في الاختلاف بين القوالب الشعرية بالأردية والفارسية عنه في الشعر العربي، الذي يحتفي بالوزن والقافية والنغمية العالية، وقد لا يلقي بالا إلى بعض المعاني التي تزخر بها قصائد إقبال. ثالثها: إنه يرى أن ميل الشعر العربي إلى الإيجاز مع الموسيقى يجعل بعض المعاني غامضة بعض الشيء عن النصوص الأصلية.

وفي سبيل نقاشنا لهذا الطرح، علينا أولا النظر إلى إشكالية ترجمة النص الشعري، التي تحفل بكثير من الصعوبة، بسبب طبيعة النص الشعري المتمثلة في الاتحاد بين: المعنى والصوت، والدال والمدلول، بجانب المعاني غير القابلة للتحويل، وكذلك على مستوى التقطيع ذاته بين الحقول الدلالية بين لغة وأخرى، كما أن التراكيب اللغوية وأساليب الجمل بين اللغتين (موضعي الترجمة) لا تحمل الموروثات الثقافية نفسها فيما يسمى الدلالات الحافة/ نصف الخرساء المشحونة بمعان معجمية، وهي تبدو أكثر في الكلمات المفتاحية أو الأساسية في النص الشعري الأصلي، التي هي مضغوطات مركزة لنصيات طويلة، تعكس سياقات كاملة، فيمكن القول إن النص المترجم يبدي مقاومة عند ترجمته، تتطلب وعيا متزايدا وثقافة عميقة وتمكنا لغويا من المترجم (2).

فخصوصية النص الشعري تنعكس -بلاشك- في ترجمته. لذا، يؤثر البعض ترجمة الأشعار الأجنبية بشعر مرسل من دون وزن ولا قافية، إمعانا في نقل المعاني والجماليات بأكبر قدر من السهولة والمرونة، وبما يتيح للقارئ الوقوف على الطرح الفكري والرؤيوي والجمالي الذي تقدمه الشعرية الأجنبية.

لقد تصدى لترجمة أشعار إقبال كبار المترجمين العرب، وهم: الدكتور حسين مجيب المصري، والشيخ صاوي شعلان المصري، والدكتور عبدالوهاب عزام، والأستاذ زهير ظاظا، والأستاذ أحمد الغازي.

والملمح المشترك في ترجمة أشعاره كما نراها في الأعمال الشعرية الكاملة، حيث حرص المترجمون على الوزن الشعري والقافية جنبا إلى جنب -في مرات كثيرة- مع الترجمة النثرية الجميلة، أي نجد النص نثريا، ثم مصاغا بشعر عمودي، وهذا متعمد، حتى يصبح التغني بأشعار إقبال ممكنا لدى قراء العربية، فالشعر في النهاية وزن وقافية ومعان وأخيلة وبديع وجماليات عديدة، فلاشك أن المترجمين العرب الذين تصدوا لمهمة ترجمة أشعاره كانوا يعون أن الذائقة العربية لن تستوعب شعرية إقبال إن صيغت بغير وزن نغمي جميل، وقافية محكمة، على غرار النظم العربي الذي ألفته الأذن والذائقة العربية، ومن الممكن حفظه وإنشاده.

وبالعودة إلى رأي الأستاذ الغوري، نجده يستحضر مناشدة الشيخ علي الطنطاوي في مقال له الأستاذ أبي الحسن الندوي، فيخاطب الطنطاوي الندوي: «هل لك أن تختار من شعر إقبال ما يجعلنا نتذوق طعم أدبه ونلم بطريقته، وتتجلى أسباب عظمته، فإن كل ما قرأنا من كلامه مترجما إلى العربية لم يعرفنا به، ولم يدلنا عليه.. فهل تضيف أخي أبا الحسن إلى مآثرك هذه المأثرة، فتفتح للعرب كوة على هذه الروضة المحجبة» (3). وهو بالفعل ما قام به الندوي في كتابه المعنون بـ«روائع إقبال»، موضحا وجهة نظره في الترجمة التي تصدى لها عبدالوهاب عزام لبعض دواوين إقبال، فيشيد الندوي به، وينعته بأنه جامع للثقافتين العربية والفارسية، ومنسجم فكريا مع إقبال في شعره وعقيدته ودعوته، ثم يؤكد وجهة نظر الغوري السابقة: «وقد ظهرت له (ترجمة عزام لإقبال) عدة دواوين، وذكر لي بعض الأصدقاء أنها لا تؤثر في نفس القارئ، ولا تثيرها إثارة الشعر الرقيق، ولا تعطي صورة كاملة واضحة لفكرة إقبال ورسالته، ولا تبرز شهرته وما قيل عنه. وتصفحت بعض هذه الدواوين، فرأيت أن ذلك لا يرجع إلى ضعف في الترجمة، ونقص في العلم والفهم.. ولكنه لم يكن محسنا إلى نفسه ومواهبه، يوم قرر أن يترجم الشعر بالشعر، وذلك الذي أفقد شعر إقبال قوته وانسجامه، وأفقد الترجمة بهاءها ورواءها وتأثيرها، وأضفى على هذا العمل العظيم شيئا من الغموض، قد يحول بين القارئ، وبين التذوق والتمتع بالشعر الجميل والمعاني الرقيقة» (4).

إذن، كان تقييمات الغوري، والندوي، وبعض من قرأوا أشعار إقبال بلغاتها الأصلية والعربية؛ هي أن الترجمة العربية كانت قاصرة عن نقل معالم شعرية إقبال وما فيها من بهاء ورواء، وأرجع الندوي ذلك إلى ترجمة الشعر بالشعر، موضحا أنه جوهر المشكلة، مقرا أن «لكل لغة جوا خاصا، ونفسية خاصة، ومنهج تفكير، وأسلوب تعبير، وتشبيهات ومجازات، تتعلق ببيئتها ومجتمعها وتاريخها ومزاجها ومواسمها وفصولها، إذا ترجمت حرفيا فقدت جمالها ومعناها ولم تؤد رسالتها» (5)، مشيرا إلى كلمة الشيخ الطنطاوي ومناشدته بضرورة التصدي للترجمة.

وجاء الشكل الذي قدم فيه الندوي ترجماته لإقبال هو «النثر السهل الميسور»، والمصطلح يعود إلى الغوري (6)، الذي امتدح هذا الشكل المعبر عن شعرية إقبال المرادة في الترجمة، والتي يرى أنها هي الأجدر باتباعها، أي إن الغوري انحاز بشكل مباشر إلى النثر المشعور، الخالي من الوزن والقافية، الذي يترسل فيه المترجم كما يشاء، وتتدفق كلماته مستوفية المعنى، لا يحده وزن ولا تمنعه قافية، ليؤازر الجهود المبذولة في الترجمات السابقة.

وبالنظر إلى جهد الندوي في كتابه المذكور، نجد أنه قد ترجم قصائد متنوعة مختارة بعناية تعبر عن عالم إقبال الشعري، بكل تنوعه وقضاياه على قدر ما تتيح له المساحة المتيسرة في الكتاب، فترجم إحدى عشرة قصيدة، شاملة موضوعات عديدة، رآها من وجهة نظره معبرة عن فكر إقبال ورؤاه الإسلامية، وبالأخص أن الندوي أورد فصولا عديدة عن حياة إقبال وتكوينه العلمي والروحي، ومسيرته العلمية، ومواقفه الفكرية.

لم يزعم الندوي تصديه لترجمة شعر إقبال كله، فهذا يحتاج إلى جهود ضخمة، وإنما أوضح منهجه في اختياره المتقدم، وهي اختيارات لم يتقيد فيها بالتسلسل الزمني لإنتاج إقبال الشعري، ويبدو من ثنايا كلامه أنه يكمل جهود المترجمين الآخرين، فهو على علم بأن القصائد المذكورة تمت ترجمتها من قبل ضمن القالب الشعري العمودي، فهو في كتابه يقدم شكلا آخر في الترجمة وهو القالب النثري الشاعري.

فالمتأمل في طريقة ترجمة الندوي يلاحظ أنه اتبع أسلوبا في ترجمة القصائد، بدأ فيه بالتمهيد بشرح للمعاني المرادة على هيئة مقال مسهب، ثم يعرض الترجمة (ذات التنصيص) للأشعار، في صياغة نثرية فريدة.

أما عن ترجمة شعرية إقبال في مجلد الأعمال الكاملة فهي مختلفة، فهناك دواوين صيغت شعرا عموديا ذا قافية واحدة أو متعددة القوافي أو ضمن بنية شعرية أقرب إلى شعر المقاطع، والموشحات الأندلسية، وفي جميع الأحوال لم يكن معها مقدمة نثرية أو شرح للنصوص سابق أو لاحق، ولكن آثرنا تقديم هذا المجزوء من قصيدة إلى الأمة العربية من ديوان «والآن ماذا نصنع يا أمم الشرق؟» بترجمة الشيخ الندوي، ثم الترجمة الثانية التي صاغها نثرا الأستاذ أحمد الغازي، وصاغ أشعارها الشيخ صاوي شعلان المصري. والملاحظ أن الترجمة الثانية جمعت الشكلين معا: النثر والشعر، الشرح والنص. ومع ذلك فهناك بون كبير في الصياغة النثرية بين نص الندوي والنص الثاني، وهذا عائد لطبيعة تلقي المترجم وإحساسه بالنص، أما النص الشعري فقد وفق الشيخ صاوي في صياغته بشكل كبير، وأشعرنا بجماليات شعر إقبال، وما فيه من معان. والقاسم المشترك بين الترجمتين هو المضمون الذي يذكر أمة العرب بأمجادها وبفضلها على البشرية جمعاء، ويقارن بين حالها في الصحراء عندما كانت قبائل متقاتلة، وحالها بعد الإسلام عندما حملت لواء الهدى، وضربت في أنحاء العالم لنشر الإسلام، بل والإقامة في البلدان المفتوحة لنشر العربية والامتزاج مع شعوبها.

وعندما نقارن بين الترجمتين السابقتين من زاوية الجماليات الشعرية، نجد أن القالب النثري مهما أبدع المترجم في نقله، فهو يظل خاليا من النغمية والقافية، وهو ما يجذب المتلقي العربي الذي اعتاد على موسيقى الشعر العمودي وجمالياته التقليدية، فلاشك أن جهد أبي الحسن الندوي معتبر ومشكور، ولكن تظل الحاجة إلى الصياغة الشعرية العمودية أو ذات الوزن العروضي من الأهمية بمكان، وهو ما أدركه المترجمان في الأعمال الكاملة، فجمعا الشكلين على قدر الطاقة، موقنين أن الشعر في النهاية إيقاع وقافية، وبيان وبديع، وألفاظ ورموز وتعبيرات.

أمر آخر في هذا الصدد، فإننا نفضل أن تكون الترجمة النثرية محافظة على الشكل النثري الشعري، من دون شروح وتوضيحات، بحيث تأتي الترجمة في قالب الشعر المنثور أو الشكل الطباعي للشعر الحر (شعر التفعيلة)، أو قصيدة النثر، فالمقصد هنا الاعتناء بالإخراج الطباعي، وعدم تقديم النص على أنه مقال على نحو ما فعل الشيخ الندوي وكذلك في بعض نصوص الأعمال الكاملة المشروحة، فلابد من الانتباه إلى هذا الأمر، وإفراغ النص الشعري المترجم من مقدمات ولواحق تشرح وتسهب، ويمكن أن يضاف ذلك في الهامش بشكل موجز، ليتفاعل كل من القارئ والناقد مع النص، بالتذوق والخيال ثم الشرح والقراءة النقدية.

إن إشكاليات الترجمة لأشعار إقبال إلى العربية جزء من مشكلة ترجمة الشعر من لغة إلى أخرى، فالشعر له خصوصية وفرادة، وعلينا أن نقرأ ترجمة إقبال هذه في ضوء تلك الإشكالية، ونتعامل معها، فنتوقف عند الجيد منها وننظر في الضعيف. فمن المهم مراعاة ذائقة المتلقي العربي في استقبال الشعر، فهي تميل إلى الوزن والقافية، ولا بأس من وجود أشكال عديدة في الترجمة الشعرية، ما بين العمودي وشعر التفعيلة والشعر الحر المنثور وغيرها.

لذا، نحتاج إلى ترجمات جديدة، بتلق جديد، أسوة بشعراء آخرين تمت ترجمة نصوصهم إلى العربية مرات مثل الشاعر جلال الدين الرومي، وعمر الخيام.

الهوامش

1- مقدمة الأعمال الكاملة لمحمد إقبال، عبدالقادر الغوري، الأعمال الكاملة لمحمد إقبال، إعداد: عبدالقادر الغوري، دار ابن كثير (دمشق – بيروت)، ط3، 1428هـ، ج1، ص9.

2- عن الترجمة، بول ريكور، ترجمة حسين خمري، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، ط1، 1429هـ، 2008م، ص 18 و19.

3- مقدمة الأعمال الكاملة لمحمد إقبال، ص9.

4- روائع إقبال، أبو الحسن علي الحسني الندوي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1379هـ، 1960م، ص9 و10.

5- السابق، ص10.

6- مقدمة الأعمال الكاملة لمحمد إقبال، ص10.

 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال