kaled

"سورة يوسف" فجرَّت بداخلي ينابيع الإبداع

في تجربتي "مملكة الأعداء الخفية" و"آخر أيام الأرض" جعلت الجمهور هو البطل

لم يكن يمكنني الاعتراض على الفن القائم دون أن أوجد البديل

كيف يتعارض التدين مع الإبداع والله خالقنا بديع السموات والأرض؟

القاهرة - أميرة توفيق:

هل شاهدت فيلمًا يومًا وتمنيت أن تكون أنت بطله، إذن هل جربت أن تستمع إلى فيلم وتكون أنت بطل خيالك، الأفلام الصوتية تجربة جديدة قدمها المخرج خالد المهدي، بدأها بفيلم "مملكة الأعداء الخفية"، واتبعها بفيلم "آخر أيام الأرض"، اللذان حققا نسبة نجاح واستماع كبيرة جدًا، فكان لـ"الوعي الشبابي" لقاءً مع المؤلف والمخرج خالد المهدي؛ للحديث حول فكرته وكيف وصل بها إلى الناس وما العوائق التي قابلته..

من هو خالد المهدي في سطور؟

تدرجت في التعليم الأزهري، وكنت أحب الفن من صغري، ودخلت كلية تربية قسم تكنولوجيا التعليم، وحاولت أن أدخل قسم الفنون المسرحية، لكن ذلك كان ممنوع على خريجي الثانوية الأزهرية، فحضرت المحاضرات عن طريق أصدقائي في المعهد، واشتركت معهم في بعض العروض التي كانوا يقيمونها.

ما نقطة تحولك من التعليم الأزهري إلى المجال الفني؟

نقطة التحول حينما ابتعدت فترة عن الفكرة تحت اعتقاد أن الفن حرام، وتوقفت فترة عن الحلم، لكن استشرت كثيرين من أهل العلم أخبروني عامل الحرمة والحل يتوقف على الرسالة التي سيحملها فني.

إذن.. كيف كانت البداية الحقيقة؟

البداية كانت من خلال تقديم عرض مسرحي في أحد المساجد الكُبرى، كان الحضور حينها بالآلاف، وأستطيع القول إن فكرة التأليف تفجرت في داخل المسجد، بعدها ذهبت لدراسة السيناريو، مع الاعتقاد بأن سورة سيدنا يوسف بالطبع هي أحسن القصص، فكنت أرغب بتعلم السيناريو منها، لكن لم يكن عندي قواعد هذا الفن لتعطيني الثقة وأنا أتعلم.. حتى وضع الله في طريقي كتاب يتحدث عن القصص النبوي، كيف يكون بنائه؟.. وشرح بناء القصة عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف تحكى وكيف تبدأ؟ وبداية القصة ووسطها وما إلى ذلك.. وليس هذا فقط، لكن الكتاب أيضًا قارن ما بين كتابة القصة الإغريقية واليونانية وبنائها، وبناء القصة بشكلٍ عام، وفكرة الأحاديث القصصية التي حكاها الرسول صلى الله عليه وسلم بشكلٍ خاص، وكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبدأ القصة؟ وكيف تنتهي؟ وطرق البدايات المختلفة.

هل صقلت قراءتك بدارسة أو كورسات؟

بالطبع.. فبعد ذلك درست فن السيناريو مع محمد حفظي، وفي نفس الوقت مع السيناريست محمد دياب، والذي كان يدرس السيناريو في أمريكا، وكنت قد اتفقت معه قبل السفر، أن يعطيني الكورس الذي سيأخذه، وقد وفَّى بوعده، فعندما عاد من أمريكا، علمني ما تعلمه هناك، وأحب أن أوجه له الشكر على مساعدته، وكذلك لمحمد حفظي.

كيف فكرت في فكرة الفيلم الصوتي.. ولماذا اخترت هذه النوعية من الأفلام بالذات؟

وجدت أن لدي أفكار مُعينة أريد أن أنفذها.. لكنني صدمت بالواقع كثيرًا، سواء على مستوى الإنتاجي أو القنوات، أو الآليات التي لا تسعد على تنفيذ هذه الأفكار بسهولة، ومن هنا جاءت فكرة الفيلم الصوتي، وتزامنت مع التجديد في المحتوى الإذاعي في مصر، ما أعاد الناس للاستماع للإذاعة مرة أخرى، وبدأت العمل على أول فيلم صوتي وهو "مملكة الأعداء الخفية"، والحمد لله كان رد الفعل جيدًا جدًا، فكانت الفكرة الثانية فيلم "آخر أيام الأرض" ومع العمل فيهما بشكل شخصي، اكتشفت قيمة الفكرة أكثر واكتشفت عالم جديد، وهو عالم الخيال لكل فرد يستمع إلى الفيلم، وكيف يكون هو بطل خياله.

ما معنى أن يكون الفرد "بطل خياله" من خلال فيلم صوتي؟

بمعنى أنه لا أحد يجبره على شيء، فهو وخياله يصنعان الفيلم، وروعة الفكرة تأتي من هنا، لا أحد يسيطر على أي شيء في خيالك، أنت الذي ترى الأبطال وتجعلهم يرتدون بطريقتك، أنت الذي تتخيل مكان وقوع الأحداث، أنت الذي تقف أمام المسيح الدجال، وتنهي عليه في آخر أيام الأرض، وأنت الذي تقف أمام الشيطان وتنتصر عليه، وفي كل مرة أنت الذي تخوض القصة وحدك، فالفيلم يكون لك أنت وحدك، وأعتقد أنها تجربة مهما تحدثت عنها فأنت الذي بمقدورك أن تحكم عليها بنفسك حتى تعرف حقيقة الكلام وتشعر به.

وما الرسالة التي أردت إيصالها من خلال فيلمي "مملكة الأعداء الخفية" و"آخر أيام الأرض".. وما أفضل تعليق أو رد فعل جاء لك عليهما؟

كل فيلم يحمل مغزى خاص به طبعًا، فقصة الفيلم الأول "مملكة الأعداء الخفية" نابعة من تفسير آية (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، فلا تتخيل مدى روعة ورهبة المغزى النابع منها طبعًا، ولكن معنى القصة الأولى، لا تغلق على نفسك بابك ومعك شيطانك، ولكن انطلق وقاوم الظلم إذا كان ظاهر أمامك وواضح، وهذا ما فعله "ساجد" الشخصية النقيض لشخصية "عابد" بني إسرائيل.

أما عن "آخر أيام الأرض" فرسالته كانت "طول ما قلبك قريب من الله سيمكنك مواجهة أي فتنة"، فهو يتناول علامات الساعة خصوصًا فتنة المسيح الدجال.

وما سبب التأخر في انتشار الفيلمين.. وهل لهذا علاقة بشركة الإنتاج وشهرة الممثلين فقط أم أيضًا نوعية الأفلام كان لها دخل في ذلك؟

الطبيعي أن أي فكرة جديدة تأخذ وقتًا حتى تصل للناس، ففكرة الأفلام الصوتية شيء جديد، ليس في مصر أو الوطن العربي فقط، ولكن على مستوى العالم، فهذا قد يكون عاملًا، كذلك يأتي بعد ذلك بالطبع دور شركة الإنتاج ودعايتها، وكذلك أسماء أبطال الفيلم إن كانوا من النجوم، يكون له دور كبير ومؤثر، لكن أي كان فالاجتهاد الأول والأخير هو الإتقان في الفكرة وتطويرها.. وهذا هو الأساس.

ge41q

من فترة قريبة كان هناك حفل توقيع الطبعة الثانية من كتاب "آخر أيام الأرض"، فما الفرق بين الكتاب والفيلم.. ولماذا كان صدور الكتاب بعد الفيلم وليس العكس؟

الفرق بين الراوية والفيلم شاسع، ليس في البناء للقصة، لكن في التفاصيل؛ لأن في الرواية يكون لدي مساحة في الوصف مما يساعد على إظهار الشخصيات بشكلٍ أكبر، لكن في الفيلم الصوتي، الإيقاع يكون سريع، ويكون الحوار أقل والمشهد مدته قصيرة، فبالتأكيد تفاصيل الرواية تصبح أكثر.

ما رأيك بوصف الفيلم على أنه "كتاب صوتي"؟

هناك فرق كبير في المعنى، فالكتاب الصوتي هو أن تجد من يقرأ لك الكتاب كما هو بالضبط، لكن الفيلم الصوتي شيء آخر تمامًا، لأن الفيلم أتعامل معه كما في السينما شخصيات ومشاهد وحوار ووصف، أي أنني استخدم كل مقاييس الفيلم، والحقيقة أنني أتضايق من أن يسمي أحد ما أقوم به كتاب صوتي أو مسلسل أو مسرحية.

المجال الفني دائمًا ما يكون حوله شبهات.. فكيف أمكنك الثبات على مبادئك وعدم السير "مع الموجه".. وما رأيك في جملة "الجمهور عايز كده"؟

صراحة أنا ضد كلمة فن هادف أو نظيف، فالمهنة بها صعوبات مثل أي مهنة، لكن الفن صعوباته أكثر، المهم أن يكون لديك أفكار صادقة وحقيقية، وتتقي الله وتراعيه في ما توصله من أفكار للناس؛ لأنك بالفكرة تخاطب عقول وقلوب الناس، فأنت فقط ركز في اخياراتك، وستجد من عند الله التيسير والفتح وأشياء كثيرة تعيينك أثناء سيرك في الطريق.

من وجهة نظرك.. ما أهم الصفات التي من المفترض أن يكتسبها الشباب في الوقت الحالي؟

هي ليست بصفات؛ لأن الصفات طتختلف من فردٍ إلى آخر، ولا يمكنك أن تجبر أحد على صفة معينة، خاصة أنه مع كل جيل تتفتح الأبواب أمامه أكثر، فأعتقد هنا أنه يحاول أن يقرأ كثيرًا، ويفهم تاريخه الحقيقي دون تشويه، ويحاول مع سرعة الأحداث ألا تذهب منه الصفات الجميلة، ولو أن أحدًا به صفة سيئة، فعليه ألا يقلق لأننا جميعًا بنا عيوب، ولكنها لن تظهر وسط صفاتك الجيدة، وإن ركزت عليها واجتهدت على الاشتغال بما هو جيد بك أكثر، وعمومًا فإننا جميعًا نُولد على فطرة سليمة، والمشكلة تأتي من تلوث الفطرة على حسب البيئة التي تكبر بها وتأثير بمن حولك من الناس، ويجب على الشباب أن يفهم أن هناك صراعًا طبيعيًا في البشرية بين الحفاظ على الجيد الذي بداخلك، وخروج (السيء) الذي بداخلك، حتى لا يأكل أو يطغى على ما بك من صفات جيدة، فحافظ على أحلى حاجة فيك دومًا.

ألم تفكر في الاتجاه لإخراج أفلام سينمائية تاريخية مثلًا.. وما الذي يمنعك من ذلك أو يدعمه؟

هذا أحد أحلامي، وبالطبع أفكر به، فالفن نابع من الخيال، لكني بحاجة لتعلم التكنيك، وهذا يأتي بطريقتين، إما بالدراسة، وإما أن اعمل كمساعد في الإخراج، وإن شاء الله يأتي الوقت المناسب لهذا.

ما أكثر الشخصيات التي أثرت في شخصيتك ؟

بشكلٍ أساسي كلنا نأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة ومثل أعلى، ونحاول السير على خطاه، ولكن بشكلٍ عام، فإنني أتأثر وأتعلم من العديد والكثير من الناس، فربما اقرأ مقولة في كتاب ما وأفكر فيها فتغيير مني وهكذا، فيمكنني القول أن لدي طمع عام في أن أخذ واقرأ عن الشخصيات الناجحة وأتعلم منها سواء على مستوى العالم العربي أو العالم ككل.

وما دور العمل التطوعي في حياتك؟

أنا مشارك في جمعية "حياة بلا تدخين" وهي المكان الوحيد المساهم به، وتطوعت بها كي أنقل تجربتي في الإقلاع لغيري، فربما تؤثر في أحدهم وتساعده على أن يترك التدخين، فكان التطوع هنا بغرض نقل الخبرة ومساعدة الآخرين، وفي داخل الجمعية كنت أساعد في تجهيز بعض المشاهد الدرامية المسرحية، التي تخدم قضية الإقلاع عن التدخين.

هل يتعارض التدين مع الإبداع؟

بالطبع لا.. فكيف يتعارض، والله خالقنا بديع السموات والأرض.

هل يوجد لديك هدف معين تريد الوصول إليه في المجال الفني؟

بالطبع.. وهذا قد يظهر من الأفكار التي قدمتها، والتي تنبع من كوني شخص مُسلم يرتكز لعقيدة الإسلام، فأنا إلى الآن لم أجد عمل فني درامي يناقش القضايا أو يعرض الشخصيات والتاريخ الديني بطريقة تلائمه، وربما توافرت المقومات المادية في بعض الأعمال، لكنها تفتقر إلى السيناريو والإخراج الجيد، وأرى أيضًا أن فكرة "أنت بطل خيالك"، تخدم بشكل أكبر نوع الفن الذي أقدمه، فتقدم الفكرة أو الشخصية بشكل جيد وفي نفس الوقت ألا أقتل الخيال الموجود لدى المُستمع عن الشخصية نفسها، فأنا لا يمكنني أن أظل معترضًا على الفن الموجود عمومًا، بدون أن أحاول أن أوجد البديل الآخر له.

ما جديد خالد المهدي الفترة القادمة؟

هو الإعداد للسيرة النبوية من خلال مسلسل إذاعي، ونحن نقوم بالإعداد لهذا العمل منذ نحو 3 سنوات، ولا يهمني أن أعرضه بسرعة بقدر ما يهمني أن يُقدم العمل بشكل يليق به، لأنني سوف أقدم أشياء أعتقد أنه لم يتم تناولها دراميًا من قبل.

كلمة أخيرة أو نصيحة توجهها لشباب الوطن العربي؟

الفترة القادمة تحتاج إلى القلب.. فاتعب عليه واجعله منيرًا..ولن يكون كذلك إلا بقربك من الله، وليس المهم أن تصل إلى الحقيقة، بل الأهم أن يطلع الله على قلبك، فيراك تحاول الوصول بصدق، وكُن على يقين بالله وستصل، وإن لم تصل فالله بكرمه يكفيه أنك تريد الحق.