kaleeed

لا تربوا أولادكم على البؤس ومعاداة الحياة بدعوى حب الآخرة

نستقبل تساؤلات المشككين ونفنِّدها ونرد عليها وننشرها بمختلف اللغات

التصدي لآفة الإلحاد يستوجب تعاون جاد بين الدعاة والمسئولين والإعلاميين

بعض ما يبثه الإعلام يسوغ سلوكيات مرفوضة تعزز الإلحاد

بعض المنتسبين للإسلام يصدِّرون صورة غير جيدة عن ديننا السمح

القاهرة - إسلام أحمد:

"آفة قديمة متجددة، لكنها لم تتحول إلى ظاهرة".. هذا ما يؤكد عليه الدكتور خالد عمران، رئيس وحدة مواجهة الإلحاد في دار الإفتاء المصرية، موضحًا أن القرآن تطرق إلى الفكر الإلحادي، وأن المتغيرات العديدة التي طرأت على المجتمعات العربية والإسلامية ساهمت في تسليط الضوء على مروجي هذه الآفة، مؤكدًا على أن وحدته تتعاطى مع أي خلل عقائدي سواء في مراحله الأولى أو بانتهائه إلى الإلحاد.

وأضاف عمران في حواره مع "الوعي الإسلامي" أن التصدي لهذه الآفة المدمرة لا يتوقف عند الدعاه وحدهم، إنما يستلزم تعاضد جميع الجهات المعنية للتصدي لها.

باعتبارك مسئول وحدة مواجهة الإلحاد في دار الإفتاء المصرية.. دعنا أولا نتعرف إلى طبيعة عمل الوحدة وكيف تتصدى للأفكار الإلحادية التي بدأتتتزايد في السنوات الأخيرة؟

وحدة الإلحاد أنشئت منذ فترة طويلة، لمواجهة الاحتياج لما تمر به المعتقدات الدينية في الوقت الحالي من خلل لدى البعض، وذلك الخلل ليس وليد اليوم، بل نرصده منذ أعوام عديدة، خصوصًا مع بعض الظروف التي طرأت على المجتمعات وأدت إلى تشكيك الناس في عقائدهم، ورصدنا بالفعل حالات لشباب مضطربين عقائديًا ولديهم أسئلة حول الدين، وكان لزامًا أنْ نستقبل هذه الحالات ونتعرف على فكرهم وتساؤلاتهم ونحللها ونجيب عليها في جلسات متعددة.

والوحدة تستقبل من لديهم أسئلة عن الدين سواء كانوا قرَّروا الإلحاد فعلًا، أو في مراحل سابقة عن ذلك وهم الغالبية، ويكون ذلك من خلال الاستقبال المباشر شفويًا أو بالمراسلة وأحيانًا يستدعي الأمر أنْ نذهب إلى بعض الحالات في أماكنهم.

فكر مستنير

يجد الشباب أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط التقنية.. فهل تعتمدون على التواصل معهم عبر هذه الوسائل؟

بالتأكيد، فنحن على سبيل المثال ننفذ مجموعة من الفيديوهات التي تناقش الأفكار والتساؤلات الشائكة حول الدين، ونستقبل في دار الإفتاء المصرية تساؤلات المشككين ونستنبط منها ما تتمحور حوله من فكر، ومن ثم يقوم علماء الدار بدراستها والرد عليها بفكر مستنير، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باللغات العربية والأجنبية.

هل ترى أن الإلحاد وافد إلينا من دول أو جهات أخرى.. أم أن أسبابه نابعة من الداخل؟

لا نستطيع أنْ نتحدث بهذه الثنائية، لأن الإلحاد موجود منذ القدم، والقرآن الكريم سجَّل أن هناك من يقول: "مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ" سورة الجاثية 24، فهؤلاء كانوا معروفين في التراث بأنهم ملحدون، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بوجود إله، ومنهم من له مواقف نحو الإله منذ القدم، ومسجلة عبر التاريخ، لكن لا نستطيع أنْ نقول إن الإلحاد قد وفد إلينا من الخارج، بقدر ما فرضته المتغيرات الحياتية والفكرية في العالم، ولا نريد دائمًا أن نستحضر نظرية المؤامرة، علاوة على الحالة الداخلية لدينا خصوصًا في التجربة المصرية خلال السنوات السبع الأخيرة، فكانت هناك مواقف متباينة من الدين، فهذا مثَّل جزءًا من الأمر. ثم في الوقت ذاته، ثورة الاتصالات التي يعيشها العالم والتي تكثر فيها الأسئلة المفتوحة التي تجعل الشباب ومختلف الأعمار، يستقبلون كمًا هائلًا من المعلومات والأفكار، ويستتبعه كم هائل من الأسئلة، ربما يستطيع بعضهم الإجابة عليها والبعض الآخر لا يستطيع.

وهل يدل ذلك على تقصير من الدعاة بصفة خاصة؟

نعتبر هذا استنباط لهمم الجميع، وإذا كنَّا نحمل هم الشباب بصدق فلا بد أن نستنهض همم الجميع، لأن الدعاة شأنهم شأن الآخرين لديهم أوجه تقصير وأوجه إحسان، وهناك جهود مبذولة، لكن يجب أنْ ننظر إلى استشراف المستقبل، سواء كانوا دعاة أو من يحمل همّ الشباب والناس من الناحية الدينية أو الاجتماعية.

وذلك يوجب علينا جميعًا بداية من الدعاة والإعلاميين والمسئولين التعاون الجاد لمواجهة هذه الآفة المدمرة.

مسؤولية وتعاون

هل يجد الداعية الذي يتصدى لأفكار الإلحاد مساندة مجتمعية أم أنه على النقيض من ذلك يجد عقبات؟

بالعكس، لأنَّنا شعوب متدينة، وإذا كان هناك موجة إلحاد، فهي تعتبر الأقل بين الشعوب الأخرى، وبالإحصائيات، فإن الإلحاد لم يبلغ الحد الذي نقول فيه إنه أصبح ظاهرة، لكن في الوقت ذاته لا يعني ذلك إعفاء أحد من المسؤولية، يجب التعاون من جانب الجميع صغارًا وكبارًا ومن جميع المؤسسات المعنية، بداية من الأسرة والمؤسستين التعليمية والدينية، والإعلام، وغيرها للتصدي للإلحاد.. فيد الداعية لا تصفق بمفردها.

ما تقييمك للإعلام وما يبثه من برامج وأعمال درامية ربما تتعارض مع صحيح الدين؟

لا نستطيع التعميم أيًا كان الرأي، لأن الإعلام يُقدِّم مادة فيها ما يدعو إلى القيم والتمسك بها، لكن أيضًا لا ننكر أن هناك الكثير مما يظهر خلال الإعلام يسيء إلى صورة الدين والمتدينين، وأيضًا هناك ما يُسيء إلى القيم التي تمسكنا بها وحافظنا عليها خصوصًا من يستورد أفكار وسلوكيات ليست من قيمنا وعاداتنا، وهناك كثير من الأعمال الفنية الآونة الأخيرة، تحاول أن تسوغ سلوكيات مرفوضة في مجتمعاتنا، فهذا ليس في مصلحة بلادنا أو عقائدنا، كذلك يساهم في هذه الحالة من الحيرة التي في النهاية تساعد في انتشار الإلحاد.

هل يعني ذلك ضرورة أن يكون للمؤسسات الدينية قنوات أو أعمال درامية خاصة بها لتعزز ما تتبناه من قيم؟

المؤسسة الدينية في نظام الدولة الحديثة، لها قيمها ومهامها الخاصة بها، وأي خروج عن هذه المهام سيُفهم خطأ وسيكون في غير صالحها، لأنَّه ليس في منظومتنا. لكن التجربة توضح أن بعض علماء الدين مثل الشيخ أحمد الشرباصي ساعد في صياغة أعمال هادفة تقدَّم إلى الناس بصورة جيدة، وكان من باب مساعدة الخبير لهذا الشأن، والمؤسسة لديها من الأعمال والأشغال ما ينبغي أن تقوم بها بخلاف الأعمال الدرامية.

قيم راسخة

kaled emran

وما المنهجية التربوية والدينية التي ينبغي تحصين الشباب بها من فكر الإلحاد والتطرف.. بداية من الأسرة والمدرسة ومن ثم المجتمع؟

يجب أن ننطلق من قيم تكون واحدة وهي موجودة بالأساس في ديننا، لن نخترع شيئًا جديدًا، لأن لدينا قيم واضحة من القرآن الكريم والسنة النبوية وعبر التراث الإسلامي، الذي علمنا أنَّنا ينبغي أن نسعى إلى سعادة الدارين، فأصبحت قيمة مثل السعادة موجودة في ديننا، وعندما تكون مثل تلك القيمة موجودة في التراث، فلماذا يكون الخطاب الشرعي كله بؤس وعبوس أمام الناس، لاسيما أن القيم التي ينشأ عليها الأطفال تكون من كره الحياة، فلماذا يُصَّدر البعض إلى الناس دائمًا أنَّنا نُعادي الحياة مع أننا نحب الآخرة، رغم أنَّ الموروث لدينا أننا نسعد في الدنيا ولا نصطدم في الحياة.

ومنطلقات هذه البرامج لا بد أن تكون صحيحة وواضحة تتناسب مع العصر، ويجب أن ألا نربي أولادنا على البؤس والشقاء أو معاداة الحياة أو نربيهم على أن الكسل جزء من الدين، يجب أن نثبت تلك القيم ثم نسعى إلى البرامج والمنهجية، وهناك أساليب معتمدة لدى العلماء، ولا مجال للاختلاف عليها.

في هذا السياق تتصاعد دعوات تغيير الخطاب الديني أو تطويره.. ما تقييمك لمثل هذه الخطوة؟

التجديد كلمة فيها معاني راقية وحياة، ومن لم يتجدد يتبدد، ومن لم يتقدم يتقادم، والتجديد فيه كلمة مأخوذة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا) رواه أبو داود (رقم/4291) وصححه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (149)، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/599).

فتجديد الخطاب الديني يكون باستلهام المناهج والقيم الأصيلة الموجودة والثابتة في الكتاب والسنة وآراء العلماء عبر القرون، بعيدًا عن المسائل التي كانت تتناسب مع زمن غير الزمان الذي نعيش فيه.

وهل هذا التغيير يقتصر على مجتمع ما كالمجتمع المصري أو الكويتي.. أم ينبغي أن يكون هناك تنسيق وتعاون بشأنه بين الدول العربية والإسلامية؟

همّ التجديد يشغل البال منذ فترة طويلة عند كل المسلمين تقريبًا، خصوصًا بعد نازلة الحداثة وما استتبعها من إجراءات كثيرة، فاستنهضت همم كثير من المفكرين، ونتج عن ذلك إجراءات مثل منظمة التعاون الإسلامي، وإنشاء المجامع الفقهية، لكن أيضًا نحتاج إلى مزيد من التعاون، ومزيد من التناغم مع العصر الذي نعيشه الآن، نحتاج منهجًا للحب بعيدًا عن الكراهية، والتعاون بعيدًا عن الانشقاق.

كيف يستعيد المواطن العادي ثقته في المؤسسات الدينية وعلماء الدين؟

يجب أولًا أن نعرف هل فقد المواطن تمامًا الثقة في المؤسسات الدينية؟، نحن في دار الإفتاء نجد بالإحصائيات يوميًا أن هناك تواصل مستمر من آلاف الأشخاص عبر وسائل التواصل المختلفة، وفي الوقت ذاته على المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي أن تجدد خطابها وتواصلها مع الشباب، لأن هناك قطاع من الشباب لا يعرف طريق المؤسسة الدينية، وهناك قطاع آخر يحتاج إلى أن يسمع للعلماء المتخصصين، كما قال الله تعالى: "وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51 سورة القصص)"، فنحن مكلفون بتوصيل دين الله إلى الناس، وأن نوصل الخطاب بشكل لافت وبصورة صحيحة، ويجب أن يكون الفعل على مستوى القول، وهذا كله يجعل ثقة الناس أكثر في المجتمع، مع تطوير وسائل التواصل، ونقل صورة صحيحة عن الدين.

تصحيح الصورة

ما دوركم في التصدي لظاهرة "الإسلاموفوبيا".. هل هناك خطة لمواجهتها؟

الإسلاموفوبيا ظاهرة قديمة، وفي العالم الإسلامي تعرضنا لهجمة شديدة وهي الحروب الصليبية، وعلى قدر ما نجم عنها من دماء، نجم عنها نوع من التواصل الذي أدى إلى الاهتمام بدراسة الإسلام، ومن ثم لجوء كثيرين إلى اعتناقه، ولذلك ظهرت بعض الأيدي غير الحميدة حاولت أن تلوث صورة هذا الدين. والحقيقة أن هناك جهود متواصلة لتصحيح هذه الصورة التي خلفت حالة من الكراهية ضد الإسلام، وجعلت بعض الناس يكرهونه أو يخافونه عن جهل، والله بيَّن سبيل الدعوة إلى الإسلام بقوله: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (سورة النحل125)".

كما أننا في الدار أنشأنا وحدة خاصة لرصد الإسلاموفوبيا، ولدينا عدة توصيات من بينها التواصل الجيد مع وسائل الإعلام في هذه البلاد، والدعوة إلى تصحيح المناهج الدراسية التي تدرس للمسلمين في عالمنا الإسلامي، والعناية بالصورة التي تصدر من خلال أفعال بعض المنتسبين للإسلام ذوي الفكر المتطرف" الذين يساعدون في تصدير صورة غير جيدة عن ديننا، ويجب أن نثبت أن ما يفعلونه ليس من الدين في شيء.

كونك أمينًا للفتوى بدار الإفتاء المصرية.. كيف يمكن التصدي للفتاوىالشاذة والمتطرفة؟

التربية العلمية أهم شيء للتصدي للفتاوى الشاذة، لأن الفتوى علم وفن له أصول، لدينا متخصصين للفتوى الرشيدة، وفقًا للنصوص الشرعية، وهناك وسيلة للتواصل معهم ومحاسبتهم، فإذا غاب التخصص تظهر الفتاوى الشاذة دون رقيب أو حسيب، لذلك يجب أن نقر التخصص، وعلى أساس هذا فإن من يغرد خارج ذلك الإطار تتم محاسبته.

ما أهمية المؤتمرات الدولية التي تنظمها دور الإفتاء خاصة فيما يتصل بالتجديد في الفتوى والتنسيق البيني؟

المؤتمرات وسيلة لطرح الأفكار بشكل جماعي وتبادلها، ما ينتج ثمرة جيدة، ومؤتمرات الإفتاء تحتوي على ورش عمل تناقش القضايا المختلفة مثل الميثاق العالمي للفتوى الذي يحسم فوضى الفتاوى ومؤشرات الفتوى التي تظهر وسطية الفتوى من عدمها، وأحوال الأسرة وارتفاع معدلات الطلاق والقضايا الشائكة، ويُدار فيها حوار مفتوح تتلاقى فيه الأجيال المختلفة من شتى البلدان الإسلامية، ما يحدث حالة من التوافق والتعارف والتجاذب، ونوع من الحوار العلمي ثم تأتي بعد ذلك توصيات المؤتمر لتعبر عن النتائج.

لكن ليست المؤتمرات وحدها التي تجدد الخطاب الديني لأن الإطار النظري يحتاج إلى عمل على أرض الواقع، وهذا إلى حد كبير متوفر في مؤتمرات دار الإفتاء وهناك متابعة مستمرة.