1280x9 6 0

جدة - تهاني العصيمي:

لا تذكر الأعياد إلا وتذكر الألعاب، فاللعب عنصر أساسي في يوم العيد الذي يراه الأطفال كفرصة ذهبية لجمع ما يمكن جمعه منها للاستمتاع بها باقي أيام السنة. لكن -كما كل شيء- تأثرت طريقة لعب الأطفال من الثورة الإلكترونية التي حصلت في السنوات الأخيرة، والتي أصبحت تركز على المتعة والإنجازات الفردية للطفل، ممّا يعزز علاقة "الطفل بالجهاز" على حساب علاقته بأهله وأترابه.

وقبل أن يكبر الجيل الجديد في مجتمعاتنا العربية ويتحول إلى مجتمع فردي تماماً مستقبلاً، أدركت صاحبات مشروع "حجر ورقة مقص" (الشابات من مدينة جدة، رفاه سحاب ورولا باندكوك)، أن هناك ما يمكن فعله لتعود لألعاب العيد بهجتها الحقيقية ولتعود وتعزز العلاقات العائلية والإنسانية، سواء بين الأطفال وأهلهم أو بين الأطفال وحدهم.

لذلك أنتجت الشابات السعوديات -وإحداهن متخصصة نفسية في العلاج باللعب- صندوق "كرنفال العيد" الذي يحتوي على عدة ألعاب جماعية تهدف لجمع العائلة والأطفال حولها.

وفي حديث للدكتورة رفاه سحاب، مؤسِّسة المشروع، قالت: إن ""كرنفال العيد" يهدف لكسر الرتابة في العيد وإحياء سنة الفرح من خلال ألعاب مصممة لالتقاء أفراد العائلة في جو مبهج وسعيد، وبطريقة غير استهلاكية، وبشكل عصري جديد وعالي الجودة".

ويتكون صندوق "كرنفال العيد" من 5 ألعاب جماعية متنوعة وهي: لعبة الكمكم، ولعبة البحث عن الكنز، ولعبة الذاكرة، ولعبة كروت المرح، ولعبة مكعب الحكواتي. وجميعها ألعاب تنشط القدرات الذهنية لدى الطفل؛ مثل الذاكرة، والتخطيط، والقدرات الكلامية والتعبيرية، وتدربهم على العمل ضمن فريق، كما تحسن التواصل بين الأهل والأطفال ما يحمل فوائد سلوكية كثيرة على المدى البعيد.

ولشرح أوفى عن مكونات اللعبة وطرق اللعب، أوردت صفحة "كرنفال العيد" بموقع إنستغرام شروحاً مفصلة عن الألعاب ومكونات الصندوق:

t543

رفاه: نعيد روح العيد المفقودة

وأضافت أن فكرة اللعبة نبعت من كون العيد تحول مؤخراً إلى مناسبة مهملة وتقليدية بشكل يصل إلى الملل في مجتمعاتنا العربية والخليجية، وأصبح من الضروري "إعادة الروح" لهذه المناسبة بطريقة غير تقليدية وغير استهلاكية، ترسخ أن "روح العيد هو الترابط الأسري والاجتماعي".

وأكدت الدكتورة سحاب في حديثها أن العيد في المملكة العربية السعودية قد اختلف؛ إذ إن "الحماس تجاهه تناقص ولم يعد بذات الألق والبهجة التي كان عليها في الماضي". وفي حديثها عن السبب قالت إن المجتمع السعودي تغيّر تأثراً بالتطور التقني المتسارع وتفاعل المجتمع السعودي معه.

وثانياً، ترى سحاب أن فتح باب الابتعاث أمام السعوديين جعل الشباب السعودي يعايش أعياد مجتمعات أخرى مثل "الكريسماس"، التي تبدو لهم أكثر جاذبية وتألقاً وحضوراً من أعياد المسلمين بالمجتمعات العربية، والتي أصبحت تبدو "باهتة" بعيونهم وينقصها الكثير من الحماس.

"كرنفال العيد" لك وهدية لطفل سوري لاجئ
ومن اللافت في حملة التسويق لبيع "كرنفال العيد" هو أنه مقابل كل صندوق يباع هناك هدية أخرى يتم التبرع بها لأطفال اللاجئين السوريين في المخيمات بلبنان. وفي سؤال "الخليج أونلاين" للدكتورة رفاه عن هذه الخطوة، أكدت أهمية اللعب للكبار والأطفال بشكل عام، وبشكل خاص للأطفال الذين يمرون بأزمات نفسية، وأهمية تقوية الصلة بين أطفال الخليج وبين أطفال العالم العربي الذين يعيشون أوضاعاً صعبة، كجزء من تطوير حس المسؤولية عند الأطفال.

وفي السياق نفسه أضافت سحاب أن "اللعب هو اللغة التي يتكلم بها الطفل عندما لا تكفي مفرداته اللغوية للتعبير عمّا حدث له"؛ ففي حين يشعر الكبار بأن الكلام والحديث عن أزماتهم هو المتنفس الذي يساعد على تخطي الأزمة والتأقلم مع الوضع الجديد، كذلك الطفل عندما يلعب أو يرسم فهو يفرّغ ما يواجهه من صدمات نفسية.

وأكدت رفاه ضرورة استخدام اللعب أو الرسم لفهم أمور خفية قد تكون في حياة الطفل، خاصة أطفال اللاجئين؛ مثل الصدمات التي يصعب التحدث عنها حتى وإن توفرت اللغة المحكية، كالتحرش الجنسي والاغتصاب. في هذه الحالات يمكن للمتخصص معرفة وجود هذه الأزمات أو عدم وجودها في حياة الطفل عن طريق الفن واللعب، ممّا يسرع تدخل الجهات المسؤولة منعاً لتفاقم المشكلة.

كيف ولدت "حجرة ورقة مقص"؟

ليس "كرنفال العيد" لعبة منفردة، بل هي أول منتج تصدره المؤسسة الوليدة "حجرة ورقة مقص" التي تأسست منذ أشهر قليلة بعد التقاء أفكار "رفاه سحاب" وشريكتها "رولا بادكوك" حول أهمية الإبداع و"إخراج الطاقات الكامنة في مجتمع يظن أنه غير مبدع"، وتغيير فكرة الأشخاص "الذين يؤمنون بأنهم أكبر من أن يلعبوا".

بعد بلورة الفكرة تلقت المؤسستان دعوة من شركة "ليغو" العالمية للألعاب في الدنمارك، حيث التقت الشابات السعوديات بالعديد من المؤسسات والمشاريع والباحثين والمنظمات غير الربحية التي تهتم بتغيير العالم بقوة اللعب وقوة الفن. ومن هنا انطلق المشروع العربي الذي اختار اسم اللعبة التقليدية التراثية المعروفة اسماً له: "حجرة ورقة مقص".

وبحسب "سحاب"، تؤمن المؤسسة بقدرة الفن واللعب على إحداث التغيير الاجتماعي والشخصي، ويهدف المشروع لمساعدة الأفراد بالمجتمع العربي والخليجي على تفعيل ثرواتهم الإبداعية الكامنة داخلهم؛ "لأننا ولدنا جميعاً مبدعين، لكنَّ القليلين هم الذين اكتشفوا إبداعهم".

لذلك قسمت المؤسسة نشاطها لـ3 أقسام؛ الأول هو المتجر لبيع الألعاب الهادفة التي تنتجها المؤسسة. والقسم الثاني هو الفعاليات، الذي يهدف لإخراج وتطوير الطاقات الإبداعية عند الشباب والكبار كطريقة لاكتشاف الذات بأسلوب غير تقليدي. والثالث خيري يتم من خلاله تقديم ألعاب وأدوات فنية لأطفال الأزمات حول العالم، وذلك "لإيمان المؤسسة بحق الطفل في اللعب، ولأن اللعب ضروري لنموه اجتماعياً ونفسياً ومعرفياً".