✍ علاء عبدالفتاح - صحفي – مصر: 

تميزت حضارتنا الإسلامية فيم تميزت بالأسبلة التي تمنح الماء للمارة العطشى دون مقابل، إن الأجر إلا على الله رب العالمين.

ومن العوائل الكويتية التي شقت لنفسها طريقا في بناء الأسبلة وتوفير ماء السقيا لكل محتاج عائلة الدعيج، حيث قرر عميدها عبدالعزيز الدعيج رحمة الله عليه، أن يشتري الماء في زمن عز فيه، وفي طقس لم يعرف ساعتها المكيفات الباردة، ثم يهبه لله، فوضع أمام بيته بالقرب من سوق الكويت القديمة وعاءين كبيرين ومغرفة، فأصبح هو ملاذ العطشى العائدين من السوق يوميا.

«الوعي الإسلامي» زارت السبيل المعروف باسم سبيل بن دعيج بالقرب من سوق المباركية بالعاصمة ورصدت عدساتها ذلك البنيان المميز الذي أشرفت عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت عام 1966م ومن بعدها الأمانة العامة للأوقاف التي جعلته مزارا سياحيا يظهر لضيوف الكويت إحدى علامات التكافل بين المسلمين.

كما زارت «الوعي الإسلامي» ديوان الدعيج بمنطقة القادسية والتقت الابن الأكبر عبدالرحمن الدعيج شاهدا على خصال الخير ومستكملا ومطورا لطريق سقيا الماء الذي بدأه والده قبل نحو مئة وأربعين عاما وبالتحديد عام 1876م كأول وأقدم سبيل ماء في الكويت.

مشروع خيري

لم يتوقف الأمر عند بناء الأسبلة وتوفير الماء وصيانتها ولكن لكي يستمر المشروع الخيري كان لابد من مصدر إنفاق دائم لذلك أوصى الدعيج بوقف مجموعة من العقارات تشمل تسعة بيوت وثلاثة دكاكين للصرف على السبيل. وقد تسلمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية السبيل ثم سلم عند إنشائها.

عند دخولك سوق المباركية والتماسك الساحة التي بها كشك مبارك ثم عبورك شارع الصراريف متجها ناحية اليسار قليلا ستجد سوق بن دعيج وأمامه مباشرة بناء معماري فريد تصميمه يعتمد على الانحناءات المحببة عند العرب الكاسرة لأشعة الشمس وحرارتها. ما إن تدخل القوس الحجري حتى تجد آنية فخارية مملوءة بالماء ومكتوب عليها للشرب فقط. بينما لوحات تاريخية تعكس رحلة الحصول على الماء قديما عبر سفن قادمة من شط العرب ثم توزيع الماء عبر الدواب على الأهالي.

اللافتات التوضيحية المكتوبة باللغة العربية فقط تشرح قصة بناء السبيل وتطويره أما الإضاءة الموزعة بدقة في جنبات السبيل فتنعكس على الأرائك التي وضعت لاستراحة العابرين لتساهم في خلق جو تراثي أصيل حيث العطاء والعمارة الإسلامية والتكافل الاجتماعي.

ديوان الدعيج

في اليوم التالي لزيارة السبيل وفي الموعد المحدد بعد صلاة المغرب كنا في ديوان الدعيج بالقادسية.. المبنى يحتل ناصية شارعين في مهابة مستقبلا رواده أسبوعيا كل ثلاثاء.

حديث الذكريات

بعد حسن الضيافة وكؤوس القهوة العربية والشاي يبدأ حديث الذكريات، فيحكي لنا العم عبدالرحمن الدعيج كيف كان بيت الدعيج قريبا من أسواق البلد ولأنه قديما لم يكن هناك مواصلات للأسواق، كان رجال منطقة شرق يخرجون في الصباح متجهين للأسواق يشترون كل احتياجاتهم مرة أو مرتين في الأسبوع.

ويوضح: أما في الوقت الحالي فامتدت الأسواق والمجمعات في جميع أنحاء الكويت شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.

ويقول: أتذكر وقد كنت طفلا صغيرا أن منزلنا المكون من طابقين كان شاسع المساحة أظن مساحته حوالي 1400 متر مربع وكان أهل الشرق يمرون بالشارع الذي يمر ببيتنا تجنبا لحرارة الشمس الحارقة خاصة في فصل الصيف.. كانوا يطرقون باب البيت ويسألون عن شربة ماء، وكنت أنا الذي أعطيهم.

الدهليز

فلما اعتاد الناس على ذلك قام والدي بوضع فخار ماء بمدخل البيت (المسمى بالدهليز) وكان الوالد له بركة ماء بالبيت مغطاة بشراع وهو ساتر مصنوع من قماش خيمة يمكن أن يغطي حوش المنزل بالكامل ونستخدمه في موسم الشتاء لجمع ماء الأمطار لأنه مقوس لأسفل وفي منتصفه فتحة تصب الماء في البركة رأسا بحيث تتم تعبئتها بـ 50 ألف جالون تقريبا فكان الناس يمرون للشرب والباب يبقى مفتوحا ولا يحتاج الناس للاستئذان فلما رأى الجيران هذا الوضع جاءت المبادرة من أحد الأقارب حيث قال عندنا الغرف طويلة فلماذا لا نحجز من كل غرفة على الشارع مترين فتصبح دكانا يطل على الشارع ويعطي الناس ما يحتاجون؟!

حوطة المرقاب

ويضيف العم عبدالرحمن: بعد التوسع في تطبيق الفكرة صار لدينا حوالي 26 دكانا على الشارع، بعدها اشترى الوالد رحمة الله عليه حوطة كبيرة بمنطقة المرقاب تحديدا ناحية برج التحرير حاليا وقام بتقسيمها إلى حوالي 11 عقارا و13 دكانا فصار هناك سوق تجاري في هذه المنطقة ناحية البلدية والأمن العام الموجود حاليا وقام أخي الكبير بجعل عائدات هذه الإيجارات جميعها وقفا خيريا للسقايا وتسبيل الماء بمعرفة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

مرت السنوات -والحديث مازال للدعيج- وقام إخوتي الكبار بعمل وكالة عامة لي لأتولى أنا هذه المسؤولية وأكون المتصرف وكان ذلك تقريبا في العام 1963م فقمت بهدم بيت الأسرة الكبير وأقمت مكانه محلات تجارية (سوق الدعيج حاليا) والأوقاف الخيرية التي كانت بالمرقاب سلمت نقودها لوزارة الأوقاف.

ثم تطور الأمر ولأن سوق الدعيج كان يحتوي على كل السلع، أصبح له رواد كثيرون وازدهرت إيرادات الوقف وتولت الأوقاف الإدارة.

ونسأل الدعيج: ماذا عن السبيل الموجود حاليا بالمباركية: هل له قصة تميزه؟ لأن هناك أكثر من سبيل ماء بالكويت باسم سبيل بن دعيج وأقربها المواجهة لأبراج الكويت على شارع الخليج؟

يرد العم عبدالرحمن الدعيج: نعم له قصة تاريخية فقد رأى الوالد كثرة الوافدين للشرب فقرر وضع إنائين من الفخار كبيرين أمام البيت ومع كل إناء كوب بيض النعام للشرب.

وقد سمحت لنا الحكومة بتخصيص مساحة 182 مترا مربعا لتطوير هذا السبيل الذي أقوم بنفسي بمتابعته حتى أنني في يوم لاحظت تسريب ماء فطلبت من الموظف المسؤول في «الأوقاف» تعين حارس للمكان لمتابعة السبيل وإصلاح أي تلف يطرأ فيه.

- هل هناك تطور في فكرة الأسبلة منذ أن قام والدكم بتخصيص السبيل الأول؟

- بالفعل التطور مستمر وقد قمنا بإنشاء سبيل لإنتاج مكعبات ثلج حتى يستفيد منه الصيادون الذين يحتاجون حفظ السمك لحين بيعه بوضع الثلج على الأسماك.

- كم سبيل خاص بالدعيج تشرفون عليه؟

- أكثر من 200 سبيل بالمدارس وبالطرق والدوارات والآن نسعى لوضع برادات على المناطق الحدودية مع العراق والسعودية كما يمتد نشاطنا حاليا إلى إفريقيا وذلك عن طريق مد أنابيب بالقرى الأكثر فقرا أو حفر الآبار بها وإن شاء الله يكون مشروعنا القادم سبيل يوزع زجاجات الماء المعبأة مجانا فقط ابتغاء وجه الله.

قبل أن نمضي يأخذنا العم عبدالرحمن الدعيج في جولة بالديوان فنمر على صالة احتفالات خاصة ثم ردهة الجدران والنوافذ التي تطل عليها بتصميم عربي أصيل ثم ديوانية لشباب العائلة في السرداب حيث جلس البعض متحدثا وفوق رؤوسهم لوحات تذكارية لسبيل بن دعيج -أول سبيل بالكويت- تزين الجدران.

• رؤية كويتية حول إستراتيجيات ...
• "أولمبياد اللغة العربية" يجمع طلبة ...
• "إيموجي" للحجاب باقتراح لشابة ...
• "اقتصد لتدوم".. حملة خليجية لترشيد ...
• "اقرأ لي".. حملة مميزة لذوي ...