- الأحد، 30 غسطس 2015 09:39
- كتب بواسطة: adminkw
عصام ضـاهـر :
الناس مواهب وطاقات، والبعض مفضل بما أمده الله تعالى من عنده واختصه به، كما قال تعالى { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق...} (النحل: 71).
وليس الرزق مقصورا فقط على المال، كما يظن البعض ، بل هو أعم وأشمل من ذلك كما قال الشوكاني في تعقيبه على الآية السابقة «وكما جعل التفاوت بين عباده في المال، جعله بينهم في العقل والعلم والفهم وقوة البدن وضعفه، والحسن والقبح، والصحة والسقم، وغير ذلك من الأحوال».
ولقد أثبتت البحوث والدراسات العلمية أن هناك نسبة ما بين 2 - 5% من الناس يمثلون الموهوبين والمتفوقين حيث يبرز منهم صفوة العلماء والمفكرين والقادة والمبتكرين والمخترعين، الذين اعتمدت الإنسانية منذ أقدم عصورها في تقدمها الحضاري على ما تنتجه أفكارهم وعقولهم من اختراعات وإبداعات وإصلاحات.
ومن الأمور المتفق عليها تربويا أن الطفل تتبلور سلوكياته، ويكتسب عاداته وقيمه، وتتكون شخصيته، وتنمى مهاراته في المراحل الأولى من حياته، أي منذ الطفولة المبكرة، وبالتالي تكون الأسرة هي المنبع التربوي الأول الذي يستقي منه الطفل صفاته الشخصية وعاداته وقيمه، ومهاراته الاجتماعية، وسلوكياته الحياتية.
ولم لا؟ والأسرة هي المحضن التربوي الأول الذي يرعى البذرة الإنسانية منذ ولادتها، ومنها يكتسب الكثير من الخبرات والمعلومات والمهارات والسلوكيات والقدرات التي تؤثر في نموه النفسي- إيجابا وسلبا- وهي التي تشكل شخصيته بعد ذلك، كما قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوده أبوه
وظاهرة الموهبة والموهوبين ووجود أفراد يتميزون بقدرات غير عادية يتفوقون بها على الغالبية العظمى من الناس ليس من مكتشفات القرن الحالي، وإنما هي ظاهرة استرعت اهتمام المفكرين والفلاسفة منذ أقدم العصور وحاولوا أن يقدموا لها تفسيرات مختلفة، ولكن الذي يحسب لعلماء هذا القرن أنهم حاولوا تفسير ظاهرة الموهبة تفسيرا علميا أرجع فيه المواهب والقدرات غير العادية إلى استعدادات وإمكانات في التكوين الذهني للفرد وفي بنية جهازه العصبي وفي خصائصه وسماته الشخصية.
تعريف الموهبة
لا يوجد اتفاق بين الباحثين والمختصين على فهوم الموهبة والموهوبين، وإنما توجد العديد من المفاهيم والتعريفات التي نمت وتطورت مع نمو وتطور البحوث والدراسات العلمية في مجال التكوين الذهني والقياس العقلي وتطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتقنية خلال الأعوام المائة الأخيرة.
هل هناك علاقة بين الموهبة والوراثة؟
إن قدرات الموهوبين تعتمد بشكل أساسي على الأنماط الوراثية «الجينية» والبناء التشريحي للفرد الموهوب، بيد أن الوراثة ليست هي العامل الوحيد في إنتاج الموهوب، بل إن الظروف والعوامل البيئية تساهم أيضا بشكل كبير في تنمية تلك الموهبة وازدهارها، فالموهوب هو الفرد الذي يملك استعدادا فطريا وتصقله البيئة الملائمة، حيث يرتبط النمو العقلي والوجداني للطفل الصغير بكثير من العوامل بعضها موروث والبعض الآخر تشكله البيئة التي يعيش فيها الطفل بمن في ذلك الأسرة والأصدقاء، ثم الاهتمام بالتعليم واكتشاف الموهبة التي تحتاج إلى رعاية، وربما ولد الإنسان موهوبا، ونتيجة تعرضه لعوامل بيئية قاسية مثل الحرمان والفقر وعدم اكتشاف موهبته مبكرا وما شابه ذلك، قتلت موهبة الإنسان، وقضي عليها.
ويمكن القول: إن الموهبة هي نتاج تفاعل ديناميكي بين العوامل الوراثية والعوامل البيئية، ولا يمكن إهمال دور أحدهما.
موقف الإسلام من الموهبة والموهوبين
لقد عني الإسلام أشد العناية بالموهوبين، واكتشاف مواهبهم وقدراتهم، ولم يقف عند ذلك، بل اهتم أيضا بتنمية مهارات الموهوبين وعمل على استخدامها فيما يعود على الأمة الإسلامية بالنفع، بل أفسح المجال لانطلاق تلك المواهب والقدرات الكامنة لدى أتباعه.
القرآن الكريم والموهوبون
هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تحدثت عن أصحاب المواهب والقدرات الخاصة، ومن ذلك:
1) الثناء على صاحب الموهبة وأمر نبي الله موسى \ بأن يتعلم منه، قال تعالى {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} (الكهف:65).
2) اختيار واصطفاء أصحاب المواهب والقدرات الخاصة ليكونوا في موضع القيادة، ومن ذلك اصطفاء طالوت على سائر بني إسرائيل لعلمه وقوته، قال تعالى {قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسمِ} (البقرة:247).
عناية الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأصحاب المواهب
ومن صور اكتشاف النبي (صلى الله عليه وسلم) لمواهب الصحابة وقدراتهم ما يرويه أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا وإن أمين هذه الأُمة أبو عبيدة بن الجراح» (رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين).
وكذلك اكتشافه (صلى الله عليه وسلم) لمواهب أهل اليمن، وما يمتازون به عن غيرهم، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة. الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية» (رواه مسلم).
السلف الصالح والتعامل مع الموهوبين
إن الناظر في سيرة السلف الصالح يرى الكثير من النماذج التي ظهر فيها تقديرهم لأصحاب المواهب والقدرات الخاصة، وتقديمهم على غيرهم من الناس حتى وإن كانوا أسن منهم كما يقول الشاعر:
إن الحداثة لا تقـصر
بالفتى المرزوق ذهنا
لـــكن تــــــذكــــي عـــقلـــه
فيفوق أكبر منه سنا
وهناك نماذج في تعامل السلف الصالح مع أصحاب المواهب، ومن تلك النماذج:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال إنه ممن قد علمتم. قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم. قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني. فقال: ما تقولون في {إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} حتى ختم السورة. فقال: بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا. فقال لي يا ابن عباس أكذلك قولك؟ قلت: لا. قال فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة فذاك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} قال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم». (صحيح البخاري).
وهناك الكثير من النماذج سواء في القرآن الكريم أو السنة المطهرة وكذلك سيرة السلف الصالح يتضح من خلالها الاهتمام بأصحاب القدرات والمواهب الخاصة لو أردنا أن نحصيها لطال بنا المقام، بل ربما استعصى وشق ذلك علينا.