الجمعة، 29 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

69 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

D5dgxffWAAAPnpR

السنوسي محمد السنوسي - باحث وصحفي - مصر:   

مازالت قضية المرأة تطرح نفسها على واقعنا الفكري والاجتماعي في العصر الحديث، منذ أن انتبه المسلمون لواقعهم الأليم، ولضرورة خروجهم من هذا السبات الحضاري الذي طوق مسيرتهم لعدة قرون.

فجاءت قضية المرأة لتمثل مع مجموعة قضايا أخرى حزمة مشكلات أو ملفات تستدعي المراجعة والتصويب والتفعيل.

وهذا الموضوع من الاتساع، ومن التشابك، ومن التعقيد، بحيث لا يمكن لمقال أو دراسة أن تلم به؛ واقعا وآفاقا، وإنما يكفينا أن نشير إلى عدة موضوعات أو أفكار تصلح لتكوين رؤية عامة «بانورامية» لهذه القضية المهمة والملحة.

الانتقال من التنظير إلى التطوير

وأول ما يقابلنا في قضية المرأة، خصوصا ونحن نريد الانطلاق مع المنظور الإسلامي، هو الانتقال من التنظير ومن المفاخرة برؤية الإسلام المتميزة لدور المرأة، إلى التطوير الفعلي والالتفات الحقيقي إلى ما تعانيه المرأة في واقعها.. حتى لا يكون دورنا محصورا في المباهاة برؤية الإسلام، والدوران في كلام نظري.

نعم، جاء الإسلام برؤية متفردة لدور المرأة، سبقت ما كان مطروحا في واقعها، بل وما طرح فيما تلاها من أزمنة.. لكن جاء دور الانتقال من النصوص إلى الواقع، ومن المباهاة إلى وضع اليد على أصل الداء وجوانب المعاناة.. وهكذا ينبغي أن تكون معالجاتنا لكل ما يطرح علينا من قضايا وإشكاليات.

الانتباه الحقيقي لأهمية دورها

ليس دور المرأة هامشيا في المجتمع، ولا أمرا ثانويا يمكن الاستغناء عنه، بل هو دور محوري ويقع في القلب من الحركة المجتمعية؛ لأن المرأة كما يقال في التعبيرات، التي صرنا نحفظها ولا نلتفت إلى مضمونها بما يكفي، تمثل نصف المجتمع وتلد وتربي النصف الآخر.. فكأنها المجتمع كله!

تلك حقيقة علينا أن ننتبه إلى أهميتها، وبالتالي ننطلق منها ونعمل على تفعيلها.. وعلينا أن نعي جيدا أن أي تهميش لدور المرأة إنما هو تهميش للمجتمع ككل، وتعويق لحركته وتطوره؛ وهو، أي المجتمع، يشبه حينئذ من يتحرك على ساق واحدة، ولا يكون قادرا على المنافسة!

ولهذا رأينا دور المرأة يتجلى في تاريخ الإسلام ومنذ اللحظة الأولى؛ حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد في غار حراء وجاءه جبريل، عليه السلام، وقال له: «اقرأ».. ودار بينهما الحوار المعروف، ثم عــــاد النبي صلى الله عليه وسلم مسرعا إلى بيته، وأخبـــر زوجه السيدة خديجة، رضي الله عنها، فأخذت تهدئ من روعه وتثبته وقالت له: «كلا، والله ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق»(1).

ثم رأينا دور المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل في مختلف ميادين الحياة بعد ذلك؛ في الغزو والجهاد، في المسجد والعبادة، في السوق، في حلقات العلم.. بما كان تطبيقا عمليا لتلك الرؤية المتميزة التي أرساها الإسلام بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال»(2). قال الخطابي في «معالم السنن»: «أي نظائرهم، وأمثالهم في الخلق، والطباع؛ فكأنهن شققن من الرجال. وفيه من الفقه: إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير، وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا للنساء، إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها»(3).

ولهذا كان التوجيه القرآني حاسما وقاطعا في الدلالة على هذا المعنى، حين نسب «العمل» إلى كل من الرجل والمرأة، وقرر أن هذا «العمل» محفوظ لا يضيع؛ أي إن المرأة لها دور مثل الرجل في توجيه حركة الحياة وإصلاح المجتمع.. فقال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} (آل عمران:195).

ولعلنا نلاحظ أن الآية الكريمة تطرقت إلى الهجرة، وإلى ما عاناه المسلمون في سبيل نشر الإسلام من الإخراج من الديار، ومن احتمال الأذى النفسي والبدني، ومن القتال والتضحية بالنفس.. وتلك محطات صعبة في تاريخ الإسلام، اشترك في إنجاحها والقيام بها على الوجه الأمثل كل من الرجل والمرأة.. فما بالنا بما دون ذلك من محطات؟!

تعليم المرأة وعملها

لم يعد ممكنا الحديث عن دور فاعل للمرأة في الحياة، وعن إسهام وحضور جيد لها في المجتمع، من دون التطرق إلى تعليمها.. نعم، أصبحت المرأة الآن في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية تحظى باهتمام كبير في هذا الجانب، ولكن مازالت هناك أفهام مغلوطة لا تنتبه جيدا لأهمية تعليم المرأة.. كما أن مناهجنا التعليمية والتربوية بحاجة إلى المراجعة حتى تكون قادرة على تشكيل وعي المرأة ووجدانها بما هو مطلوب منها.

وهنا أجد من المهم أن نلفت النظر لأمرين:

الأول: أن الهدف من تعليم المرأة ينبغي أن يكون أكبر من مجرد هدف الحصول على وظيفة تدر عليها راتبا شهريا.. فالمرأة تتعلم لنفسها أولا حتى تستطيع فهم الحياة فهما جيدا، وتعرف دورها في ذلك.. وحتى يمكنها القيام بوظيفة التربية ورعاية الأبناء خير قيام.

الثاني: أن وظيفة المرأة الأساسية هي تربية الأجيال، وليست هناك وظيفة أعظم من تربية النشء وتكوين الأجيال.. ولا يعني ذلك عدم خروجها إلى سوق العمل، أو حبسها بالبيت والتقليل من شأنها.. وغاية ما نريد قوله إن للمرأة أن تقوم بأي عمل مما يناسب طبيعتها، لكن على ألا يجور على وظيفتها الأساسية، وأن وظيفتها في تربية النشء لا يدانيها عمل آخر؛ فإذا تعارض عمل المرأة في أي مهنة من المهن فعليها ألا تتردد في الانحياز إلى وظيفتها الأساسية.

وهذا الأمر نستطيع أن ندلل عليه بعشرات الشواهد ومئات التجارب، ومن قلب الحياة الاجتماعية الغربية نفسها، التي قد تخطف ببريقها عيون الكثيرين، وقد يروج باسمها مفهوم مغلوط لـ«العمل» يحصره فقط في العمل الذي يدر ربحا ويكون خارج البيت، أما عملها في تربية الأجيال فليس بـ«عمل» في نظر البعض!

ينبغي أن نتحرر من أسر المفاهيم الخاطئة، ومن ضغوط الواقع التي تفرض أنماطا معينة، وأن نكون ملتفتين دائما إلى ما يقرره الإسلام وما يتفق مع الفطرة.

لهذا كله، من الضروري أن يكون التعليم معينا للمرأة على فهم دورها ووظيفتها، ومساعدا لها في القيام بواجباتها، سواء في البيت أو المجتمع.

وما أجمع ما ذهب إليه العقاد في هذا الشأن حين قال: «ما خلق الجنسان ليكون كل منهما مساويا لصاحبه في طراز واحد من المزايا والملكات؛ وإنما خلقت لكل منهما مزاياه وملكاته ليكمل بها صاحبه، ويزيد بها ثروة النوع كله من خصائص النفس وألوان الفهم والشعور. وعلى هذه السنة الطبيعية الاجتماعية، من تقسيم العمل وإتقان كل عامل لضرب من ضروبه، يتعاون الزوجان كل فيما هو أصلح له من مطالب الحياة: على الرجل شطر الكفاح في سبيل الرزق وكفاية أهله مؤونة الكدح في مضطرب الزحام والصراع، وعلى المرأة شطر السكن الأمين وكلاءة الجيل المقبل في نشأته الأولى. وليس بالشطر الزهيد حضانة الغد وإعداد مستقبل الإنسانية مرحلة بعد مرحلة على الدوام»(4).

ترابط دور المرأة والرجل

من المهم أيضا، ونحن بصدد الحديث عن تفعيل دور المرأة في الحياة، أن ندرك أن دور المرأة؛ تفعيلا وتطويرا أو تهميشا وجمودا، يرتبط ارتباطا وثيقا بدور الرجل؛ أي لا يمكن إحداث تغيير في دور واحد منهما من دون إحداث تغيير في دور الآخر؛ فواقعهما واحد، ومعاناتهما متماثلة، وطموحاتهما أيضا ليست بعيدة بعضهما عن بعض.

كما أن المجتمع، أي مجتمع، إنما يسير كوحدة متكاملة، حتى لو كانت هذه الوحدة مركبة من عناصر متعددة.. ومن الخطأ أن نتعامل مع كل عنصر من هذه الوحدة بمفرده. فمن يرد تفعيلا لدور المرأة فعليه أيضا أن يقوم بتفعيل دور الرجل، وأن يتعامل مع المجتمع ككل بهذا المنظار الشامل لكل عناصره.

ولهذا أصاب مفكر الحضارة مالك بن نبي، رحمه الله، كبد الحقيقة، حين نظر إلى قضية المرأة بهذا المنظار الشامل الجامع، فقال: «ليست مشكلة المرأة شيئا نبحثه منفردا عن مشكلة الرجل؛ فهما يشكلان في حقيقتهما مشكلة واحدة، هي مشكلة الفرد في المجتمع»(5).

بين نموذجين

في كثير من قضايانا نعاني من التطرف يمينا أو يسارا، ومن الإفراط أو التفريط.. وقضية المرأة هي مثال جلي لهذه المعاناة؛ فنحن نقع بين جامدين لا يرون دورا للمرأة ويسعون إلى تهميشها، وقد ينطلقون في ذلك من رؤية تعتمد على النصوص الإسلامية.. في مقابل آخرين يريدون «تحرير» المرأة من أي قيود، حتى من ذاتها هي! ولا يجدون حرجا من الذهاب بهذا «التحرير» إلى أبعد مدى، حتى لتصبح المرأة عندهم مجرد سلعة يتفننون في كيفية توظيفها لجني الأرباح وإشباع الغرائز!

بالقطع، ليست الرؤية الإسلامية أو الفطرة السوية ترضى بهذا أو بذاك.. وعلينا أن نلتزم بمقررات الفطرة وضوابط الشرع؛ حتى نحقق رؤية وسطية تحفظ للمرأة كرامتها، وتكفل حقوقها، وتعمل في الوقت نفسه على تفعيل دورها وإثراء حركة المجتمع من خلالها.

يقول الشيخ الغزالي، رحمه الله، مشيرا إلى أهمية هذه الرؤية الوسطية: «بين الإفراط والتفريط خط وسط نريد التعرف عليه والتزامه؛ وهو خط لا يتطابق مع وضع المرأة الإسلامية في أغلب المجتمعات، وكذلك لا يتطابق مع تقاليد الفرنجة التي تستمد من وثنية الرومان ومن فلسفة الإغريق. إن أفلاطون في مدينته (الفاضلة) يجعل المرأة مشاعا بين الآخرين، فما تكون إذن المدينة الدنسة؟ على أن عقلية السجان هي الأخرى لا تقيم أمة راقية الفكر زاكية القلب. وتعاليم الإسلام الصحيحة هي الأمل في بناء عالم متراحم مصون»(6).

بهذه الأفكار وغيرها نستطيع أن نجعل دور المرأة فاعلا في الحياة وعلى كل المستويات.. فذلك حق للمرأة لا يجوز تعطيله أو تأجيله، كما أنه هو ضرورة للمجتمع لا ينبغي إهمالها أو الحط من شأنها..

الهوامش

1- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي.

2- رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.

3- «سنن أبي داود ومعالم السنن»، 1/ 119، تحقيق: عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، دار ابن حزم، ط1، 1997م.

4- «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه»، عباس محمود العقاد، ص:135-136، نهضة مصر، ط4، 2005م.

5- «شروط النهضة»، مالك بن نبي، ص:114، دار الفكر.

6- «مئة سؤال عن الإسلام»، الغزالي، ص:275، دار ثابت، ط1، 1984م.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال