azabat adam

عدن – محمد عبدالعزيز:

مزيج فريد بين عذابات الإنسان منذ بدء الخليقة وحتى اليوم، عذاباته على مستوى عاطفته الخاصة، وعلى مستوى مجتمعه ووطنه بالكامل، وطموحاته للخلاص من كل ذلك إلى فردوس مفقود.. في تلك الأجواء، يطوف بنا الشاعر اليمني د.محمد مسعد العودي في رحلة ثرية من الإبداع والأمنيات والإخفاقات والنجاحات.. وذلك من خلال مجموعته الشعرية "عذابات آدم" والتي تضم في كتاب واحد 3 دواوين هي على التوالي: "هند، "عذابات آدم"، "دموع البن".

والكتاب الصادر طبعته الأولى هذا العام 2017 في 316 صفحة من القطع المتوسط ضمن مطبوعات نادي الشعر بعدن ينتمي إلى الشعر العمودي الحر، حوى بين دفتيه ثلاثة دواوين شعرية تميزت لغتها بالبساطة، تلك البساطة الممزوجة بجمال ورونق الطبيعة التي تتميز بها اليمن، والتي بدا واضحًا أن الشاعر تشرب جمالها حتى نطقت بها حروفه، تنقل بين جبال الحرف وسهوله ووديانه، منتقيًا أجمل الأوصاف الممزوجة بمشاعر فياضة وحماسة متقدة معجونة بشي من الفقد والوجع والاشتياق وقليل من الخيبة، ليصنع لنا روضًا نتمشى بين تفاصيله العذبة، نقطف زهره ونرتشف من نهره الذي إنما ينبع من قلب الشاعر النابض بالشعر والجمال.

قصائد الغزل التي أخذت حيزًا كبيرًا من الديوان، اقترنت بالفراق والبعد ومناجاة المحبوب الغائب أو المتمرد، مناجاة عذبة، نقية خالية من الألفاظ الخادشة أو الجارحة للحياء.

تميزت لغة الكاتب بأنها سهلة سلسلة، اعتمدت على موسيقى جميلة بين الكلمات كأنما عزفتها الطبيعة التي برزت بشكل واضح في أغلب قصائد الكاتب لتزيدها إبداعًا وانسجامًا، تمامًا كما برز الحزن حينما انتقل بالحديث من الخاص إلى العام، مستعرضًا من خلال قصيدة "عذابات آدم" التي استحوذت على ديوان كامل من الكتاب، واستعرض من خلالها الانكسارات التي يعاني منها الإنسان العربي ليس وليد اليوم فقط، بل منذ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض، وغواية الشيطان له حتى أكل من الشجرة وأخرج من الجنة، ومن ثم الحروب المتواصلة بين الخير والشر، مستعرضًا ملامح تاريخية شاهدة على هذه الحرب بين الخير والشر، منذ صراع هابيل وقابيل، ومحاولة امرأة العزيز إغواء نبي الله يوسف عليه السلام واستعصامه عنها وتفضيله السجن على الاستجابة لنداءات الشر والإغواء.

وفي جولته بين عذابات آدام الأمس وآدم اليوم يمزج الشاعر بين انتكاسات التاريخ وانتصاراته، مستعرضًا شتى أرجاء الخريطة العربية شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا، وما تعرض له الإنسان العربي من أحداث على مر التاريخ وصولا إلى عالم اليوم، ومفردًا مساحة إلى أوضاع وطنه اليمن وما يتجاذبه من أحوال.

وفي هذا الديوان يثبت الشاعر مسعد أن الشعر في حقيقته ثورة تتفجر من خلالها جماليات اللغة كالجمرة وتتفتح كالورود وتتكشف عن أسرارها المختبئة وطاقات اللغة التي لا تنضب ولا تنفد وكل هذه المعاني استطاع أن يحققها، محررًا الشعر من أغلاله الموروثة ليقدم كلمات نابضة بالحياة تكشف وتشخص وتداوي في آن واحد.